﴿ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ ﴾ يقال : نبذت الشيء أي طرحته بقوة، وذلك دليل على الكراهية ؛ لأن الذي يكره شيئاً يحب أن يقصر أمد وجوده، ومثال ذلك : لنفترض أن واحداً أعطى لآخر حاجة ثم وجدها جمرة تلسعه، ماذا يفعل ؟ هو بلا شعور يلقيها بعيداً. والنبذ له جهات، ينبذه يمينه، ينبذه أمامه، ينبذه شماله، أما إذا نبذه خلفه، فهو دليل على أنه ينبذه نبذة لا التفات إليها أبداً، انظر التعبير القرآني ﴿ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ ﴾.
إن النبذ وحده دليل الكراهية لوجود الشيء الذي يبغضه، إمعان في الكراهية والبغض، فلو رمى إنسان شيئاً أمامه فقد يحن له عندما يراه أو يتذكره، لكن إن رماه وراء ظهره فهذا دليل النبذ والكراهية تماما، ولذلك يقولون : لا تجعلن حاجتي بظهر منك، يعني لا تجعل أمرا أريده منك وراء ظهرك، والحق يقول :﴿ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ ﴾ أي أنهم جماعة و " ظهور " جمع " ظهر " كأن كل واحد منهم نبذه وراء ظهره. وكأن هناك إجماعاً على هذه الحكاية، وكأنهم اتفقوا على الضلال، واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون. والمشتري هنا هو الثمن، والثمن يُشترى به، ولندقق النظر في التعبير القرآني، فهناك واحد يشتري هذا الأمر بأكلة، وآخر يشتري هذه الحكاية بحُلَّة أو لباس، وهناك من يشتريها بحاجة وينتهي، إنما هم يقولون : نريد نقوداً ونشتري بها ما نحب، هذا معنى ﴿ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً ﴾.