ولما كان الاقتصار على هذه الدار مع ما يشاهده من ظهور الأشرار نقصاً ظاهراً وخللاً بيناً نزهوه عنه فقالوا :﴿سبحانك﴾ وفي ذلك تعليم العباد أدب الدعاء بتقديم الثناء قبله، وتنبيه على أن العبد كلما غزرت معرفتة زاد خوفه فزاد تضرعه، فإنه يحسن منه كل شيء من تعذيب الطائع وغيره، ولولا أن ذلك كذلك لكان الدعاء بدفعه عبثاً، وما أحسن ختمها حين تسبب عما مضي تيقنهم أن أمامنا داراً يظهر فيها العدل مما هو شأن كل أحد في عبيده، فيعذب فيها العاصي وينعم فيها الطائع، كما هو دأب كل ملك في رعيته بقولهم رغبة في الخلاص في تلك الدار :﴿فقنا عذاب النار﴾ على وجه جمع بين ذكر العذاب المختتم به آية محبّي المحمدة بالباطل، والنار المحذر منها في ﴿فمن زحزح عن النار﴾ [ آل عمران : ١٨٥ ] ثم تعقبها بقولهم معظمين ما سألوا دفعه من العذاب ليكون موضع السؤال أعظم، فيدل على أن الداعية في ذلك الدعاء أكمل وإخلاصه أتم، مكررين الوصف المقتضي للإحسان مبالغة في إظهار الرغبة استمطاراً للإجابة :﴿ربنآ﴾ وأكدوا مع علمهم بإحاطة علم المخاطب إعلاماًَ بأن حالهم في تقصيرهم حال من أمن النار حثاً لأنفسهم على الاجتهاد في العمل فقالوا :﴿إنك من تدخل النار﴾ أي للعذاب ﴿فقد أخزيته﴾ أي أذللته وأهنته إهانة عظيمة بكونه ظالماً.
وختمها بقوله :﴿وما للظالمين من أنصار﴾ الحاسم لطمع من يظن منهم أنه بمفازة من العذاب، وأظهر موضع الإضمار لتعليق الحكم بالوصف والتعميم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ١٩٧ ـ ١٩٨﴾


الصفحة التالية
Icon