وقيل : إنّ الموعود الذي سألوه هو النصر على العدوّ خاصّة، فالدعاء بقولهم :﴿ وآتنا ما وعدتنا على رسلك ﴾ مقصود منه تعجيل ذلك لهم، يعني أنّ الوعد كان لمجموع الأمّة، فكلّ واحد إذا دعا بهذا فإنّما يعني أن يجعله الله ممَّن يرى مصداق وعد الله تعالى خشية أن يفوتهم.
وهذا كقول خبّاب بن الأرتّ : هاجرنا مع النبي نلتمس وجه الله فوقع أجرنا على الله فمِنَّا مَن أيْنَعَتْ له ثمرته فهو يهدبُها، ومنَّا من مات لم يأكُل من أجره شيئاً، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحُد، فلم نجد له ما نكفّنه إلاّ بُردة" إلخ.
وقد ابتدأوا دعاءهم وخلّلوه بندائه تعالى : خمس مرات إظهار للحاجة إلى إقبال الله عليهم. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٣١٢﴾. بتصرف.
فصل
قال الفخر :
الآية دلت على أنهم إنما طلبوا منافع الآخرة بحكم الوعد لا بحكم الاستحقاق لأنهم قالوا : ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك، وفي آخر الكلام قالوا :﴿إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الميعاد﴾ وهذا يدل على أن المقتضي لحصول منافع الآخرة هو الوعد لا الاستحقاق. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ١٢٠﴾
سؤال وجوابه
قال الفخر :
ههنا سؤال آخر : وهو أنه متى حصل الثواب كان اندفاع العقاب لازما لا محالة، فقوله :﴿آتَِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ﴾ طلب للثواب، فبعد طلب الثواب كيف طلب ترك العقاب ؟ وهو قوله :﴿وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القيامة﴾ بل لو طلب ترك العقاب أولا ثم طلب إيصال الثواب كان الكلام مستقيما.
والجواب من وجهين :
الأول : أن الثواب شرطه أن يكون منفعة مقرونة بالتعظيم والسرور فقوله :﴿أَتَِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ﴾ المراد منه المنافع، وقوله :﴿وَلاَ تُخْزِنَا﴾ المراد منه التعظيم،