الثاني : أنا قد بينا أن المقصود من هذه الآية طلب التوفيق على الطاعة والعصمة عن المعصية، وعلى هذا التقدير يحسن النظم كأنه قيل : وفقتنا للطاعات، وإذا وفقنا لها فاعصمنا عما يبطلها ويزيلها ويوقعنا في الخزي والهلاك، والحاصل كأنه قيل : وفقنا لطاعتك فإنا لا نقدر على شيء من الطاعات إلا بتوفيقك، وإذا وفقت لفعلها فوفقنا لاستبقائها فإنا لا نقدر على استبقائها واستدامتها إلا بتوفيقك، وهو إشارة إلى أن العبد لا يمكنه عمل من الأعمال، ولا فعل من الأفعال، ولا لمحة ولا حركة إلا بإعانة الله وتوفيقه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ١٢٠ ـ ١٢١﴾
قوله :﴿وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القيامة﴾
قال الفخر :
قوله :﴿وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القيامة﴾ شبيه بقوله :﴿وَبَدَا لَهُمْ مّنَ الله مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ﴾ [ الزمر : ٤٧ ] فإنه ربما ظن الإنسان أنه على الاعتقاد الحق والعمل الصالح، ثم إنه يوم القيامة يظهر له أن اعتقاده كان ضلالا وعمله كان ذنبا، فهناك تحصل الخجالة العظيمة والحسرة الكاملة والأسف الشديد، ثم قال حكماء الإسلام : وذلك هو العذاب الروحاني.
قالوا : وهذا العذاب أشد من العذاب الجسماني، ومما يدل على هذا أنه سبحانه حكى عن هؤلاء العباد المؤمنين أنهم طلبوا في هذا الدعاء أشياء فأول مطالبهم الاحتراز عن العذاب الجسماني وهو قوله :﴿فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [ آل عمران : ١٩١ ] وآخرها الاحتراز عن العذاب الروحاني وهو قوله :﴿وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القيامة﴾ وذلك يدل على أن العذاب الروحاني أشد من العذاب الجسماني. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ١٢١﴾
قوله تعالى ﴿ إنك لا تخلف الميعاد ﴾
قال أبو حيان :
﴿ إنك لا تخلف الميعاد ﴾ ظاهره أنه تعليل لقوله :﴿ وآتنا ما وعدتنا ﴾.