لطيفة
قال ابن عاشور :
وقد جاء تركيب الآية على نظم بديع إذ حُذف المفعول الثاني لفعل الحسبان الأوّل لدلالة ما يدلّ عليه وهو مفعول ﴿ فلا تحسبنّهم ﴾، والتقدير : لا يحسبنّ الذين يفرحون إلخ أنْفسَهم.
وأعيد فعل الحسبان في قوله :﴿ فلا تحسبنهم ﴾ [ آل عمران : ١٨٨ ] مسنداً إلى المخاطب على طريقة الاعتراض بالفاء وأتي بعده بالمفعول الثاني : وهو ﴿ بمفازة من العذاب ﴾ [ آل عمران : ١٨٨ ] فتنازعه كلا الفعلين.
وعلى قراءة الجمهور :﴿ لا تَحسبنّ الذين يفرحون ﴾ [ آل عمران : ١٨٨ ] بتاء الخطاب يكون خطاباً لغير معيّن ليعمّ كلّ مخاطب، ويكون قوله :﴿ فلا تحسبنهم ﴾ اعتراضاً بالفاء أيضاً والخطاب للنبيء ﷺ مع ما في حذف المفعول الثاني لفعل الحسبان الأول، وهو محلّ الفائدة، من تشويق السامع إلى سماع المنهي عن حسبانه.
وقرأ الجمهور فلا تحسبنّهم : بفتح الباء الموحدة على أنّ الفعل لخطاب الواحد ؛ وقرأه ابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب بضم الباء الموحدة على أنّه لخطاب الجمع، وحيث إنّهما قرءا أوّله بياء الغيبة فضمّ الباء يجعل فاعل ( يحسبنّ ) ومفعوله متّحدين أي لا يحسبون أنفسهم، واتّحاد الفاعل والمفعول للفعل الواحد من خصائص أفعال الظنّ كما هنا وألحقت بها أفعال قليلة، وهي :( وَجد ) و( عَدِم ) و( فَقَدَ ).
وأمّا سين "تحسبنّهم" فالقراءات مماثلة لما في سين ﴿ يحسبنّ ﴾. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٣٠٦﴾


الصفحة التالية