" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
قوله :﴿ لاَ تَحْسَبَنَّ ﴾ قرأ ابنُ كثير وأبو عمر " يَحْسَبَنَّ " و" فَلاَ يَحْسَبَنَّهُمْ " - بالياء فيهما، ورفع ياء " تَحْسَبَنَّهُم " وقرأ الكوفيونَ بتاءِ الخطابِ، وفتح الباء فيهما معاً، ونافع وابن عامر بياء الغيبة في الأول، وتاء الخطاب في الثاني، وفتح الباء فيهما معاً، وقُرِئَ شاذاً بتاء الخطاب وضَمِّ الباء فيهما معاً، وقرئ فيه أيضاً بياء الغيبة فيهما، وفتح الباء فيهما أيضاً فهذه خَمْس قراءاتٍ، فأما قراءة ابن كثيرٍ وأبي عمرو ففيهما خمسةُ أوجهٍ، وذلك : لأنه لا يخلو إما أن يُجْعَلَ الفعل الأول مسنداً إلى ضميرٍ غائبٍ، أو إلى الموصولِ، فإنْ جعلناه مسنداً إلى ضميرٍ غائبٍ، الرسول ﷺ أو غيره - ففي المسألة وجهان : ِ
أحدهما : أنَّ " الَّذِينَ " مفعول أوّل، والثاني محذوفٌ ؛ لدلالة المفعول الثاني للفعل الذي بعده عليه، وهو " بِمَفَازَةٍ " والتقدير : لا يحسبن الرسول - أو حاسب - الذين يفرحون بمفازة، فأسند الفعل الثاني لضميرِ " الَّذِينَ " ومفعولاه الضمير المنصوب، و" بِمَفاَزَةٍ ".
الثاني : أن " الَّذِينَ " مفعول أول - أيضاً - ومفعوله الثاني هو " بِمَفَازَةٍ " الملفوظ به بعد الفعل الثاني، ومفعول الفعل الثاني محذوف ؛ لدلالة مفعول الأول عليه، والتقدير : لا يحسبن الرسول الذين يفرحون بمفازة فلا يحسبنهم كذلك، والعمل كما تقدم، وهذا بعيد جِداً، للفصل بين المفعول الثاني للفعل الأول لكلامٍ طويلٍ من غير حاجةٍ، والفاء - على هذين الوجهين - عاطفة ؛ والسببية فيها ظاهرة.
وإن جعلناه مسنداً إلى الموصول ففيه ثلاثة أوجهٍ :
أولها : أن الفعل الأول حُذِفَ مفعولاه، اختصاراً ؛ لدلالة مفعولي الفعل الثاني عليهما، تقديره : ولا يحسبن الفارحون أنفسَهم فائزين فلا يحسبنهم فائزين.