قَالَ : وَالْعِبْرَةُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرَةٌ عِنْدَنَا، وَفِي أَنْفُسِنَا، فَإِنَّ كِتَابَنَا - وَهُوَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ - لَمْ يُوجَدْ كِتَابٌ فِي الدُّنْيَا حُفِظَ كَمَا حُفِظَ، وَنُقِلَ، وَنُشِرَ كَمَا نُشِرَ، فَإِنَّ الْجَمَاهِيرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ حَفِظُوهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ مِنَ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، وَهُمْ يَتْلُونَهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ ; حَتَّى إِنَّكَ تَسْمَعُهُ فِي الشَّارِعِ، وَالْأَسْوَاقِ، وَمُجْتَمَعَاتِ الْأَفْرَاحِ، وَالْأَحْزَانِ، وَفِي كُلِّ حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَلَكِنَّهُمْ تَرَكُوا تَبْيِينَهُ لِلنَّاسِ فَلَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ عَدَمُ الْكِتْمَانِ شَيْئًا ; فَإِنَّهُمْ فَقَدُوا هِدَايَتَهُ حَتَّى إِنَّهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَنْفُسَهُمْ مُنْحَرِفُونَ عَنْهُ، وَأَنَّ الْقَابِضَ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ، وَيَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ الْغِشَّ قَدْ عَمَّ وَطَمَّ، وَيَعْتَرِفُونَ بِارْتِفَاعِ الْأَمَانَةِ، وَشُيُوعِ الْخِيَانَةِ إلخ.. إلخ، وَكُلُّ هَذَا مِنْ نَتَائِجِ تَرْكِ التَّبْيِينِ.
قَالَ : وَلِهَذِهِ التَّعْمِيَةِ، وَهَذَا الِاضْطِرَابِ فِي فَهْمِ الْكِتَابِ أَسْبَابٌ أَهَمُّهَا مَا كَانَ مِنَ الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ قَبْلُ - لَاسِيَّمَا فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ - فَقَدِ انْقَسَمَتِ الْأُمَّةُ إِلَى


الصفحة التالية
Icon