شِيَعٍ وَذَهَبَتْ فِي الْخِلَافِ مَذَاهِبَ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، وَصَارَ كُلُّ فَرِيقٍ يَنْصُرُ مَذْهَبَهُ وَيَحْتَجُّ لَهُ بِالْكِتَابِ يَأْخُذُ مَا وَافَقَهُ مِنْهُ وَيُئَوِّلُ مَا خَالَفَهُ، وَاتَّبَعَهُمُ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ، وَرَضِيَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِكُتُبِ طَائِفَةٍ مِنْ أُولَئِكَ الْمُخْتَلِفِينَ حَتَّى جَاءَتْ أَزْمِنَةٌ تَرَكَ فِيهَا الْجَمِيعُ التَّحَاكُمَ إِلَى الْقُرْآنِ، وَتَأْيِيدَ مَا يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ بِهِ، وَتَأْوِيلَ مَا عَدَاهُ (أَقُولُ : بَلْ وَصَلْنَا إِلَى زَمَنٍ يُحَرِّمُونَ فِيهِ ذَلِكَ، وَلَا يَرَوْنَ فِيهِ لِلْقُرْآنِ فَائِدَةً تَتَعَلَّقُ بِمَعْنَاهُ، بَلْ كُلُّ فَائِدَةٍ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يُتَبَرَّكُ بِهِ، وَيُتَعَبَّدُ بِأَلْفَاظِهِ، وَيُسْتَشْفَى بِهِ مِنْ أَمْرَاضِ الْجَسَدِ دُونَ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ)، حَتَّى صِرْنَا نَتَمَنَّى لَوْ دَامَتْ تِلْكَ الْخِلَافَاتُ، فَإِنَّهَا أَهْوَنُ مِنْ هَجْرِ الْقُرْآنَ بَتَاتًا، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ وَقَعُوا فِي اضْطِرَابٍ مَنْ أَمْرِ دِينِهِمْ حَتَّى صَارُوا يَحْسَبُونَ مَا لَيْسَ بِدِينٍ دِينًا، وَحَتَّى إِنَّ الْعُلَمَاءَ يَرَوْنَ
الْمُنْكَرَاتِ فَلَا يُنْكِرُونَهَا بَلْ كَثِيرًا مَا يَقَعُونَ فِيهَا، أَوْ يَتَأَوَّلُونَ لِفَاعِلِيهَا، وَلَوْ بَيَّنُوا لِلنَّاسِ كِتَابَ اللهِ لَقَبِلُوهُ.