ثُمَّ أَقُولُ : إِنَّ الْبَيَانَ، أَوِ التَّبْيِينَ عَلَى نَوْعَيْنِ : أَحَدُهُمَا تَبْيِينُهُ لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ لِأَجْلِ دَعْوَتِهِمْ إِلَيْهِ، وَثَانِيهِمَا تَبْيِينُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ لِأَجْلِ إِرْشَادِهِمْ، وَهِدَايَتِهِمْ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ، وَكُلٌّ مِنَ النَّوْعَيْنِ وَاجِبٌ حَتْمٌ لَا هَوَادَةَ فِيهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا اشْتَرَطَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الِاسْتِفْتَاءِ، وَالسُّؤَالِ إِذْ زَعَمُوا أَنَّ الْعَالِمَ لَا يِجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدِّي لِدَعْوَةِ النَّاسِ، وَتَعْلِيمِهِمْ إِلَّا إِذَا سَأَلُوهُ ذَلِكَ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَهَذِهِ الْآيَةُ آكَدُ فِي الْإِيجَابِ مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ السُّورَةِ : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [٣ : ١٠٤] الَّذِي تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي هَذَا الْجُزْءِ
; فَإِنَّ الْأَمْرَ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ لِلْوُجُوبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ، وَأَكَّدَ بِقَوْلِهِ : وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ إِلَّا أَنَّ التَّأْكِيدَ فِيهِ دُونَ أَخْذِ الْمِيثَاقِ هُنَا، وَمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْقَسَمِ، ثُمَّ مَا يَلِيهِ مِنْ تَصْوِيرِ تَرْكِ الِامْتِثَالِ بِنَبْذِ الْكِتَابِ، وَبَيْعِهِ بِثَمَنٍ قَلِيلٍ، وَمِنَ الذَّمِّ وَالْوَعِيدِ عَلَى ذَلِكَ إِذْ قَالَ :