فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ النَّبْذُ : الطَّرْحُ، وَقَدْ جَرَتْ كَلِمَةُ نَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ مَجْرَى الْمَثَلِ فِي تَرْكِ الشَّيْءِ، وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِهِ، وَالِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهِ، كَمَا يُقَالُ فِي مُقَابِلِ ذَلِكَ :" جَعَلَهُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ، أَوْ أَلْقَاهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ " أَيِ اهْتَمَّ بِهِ أَشَدَّ الِاهْتِمَامِ بِحَيْثُ كَأَنَّهُ يَرَاهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَا يَنْسَاهُ وَلَا يَغْفُلُ عَنْهُ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ إِلَى كَوْنِ هَذَا هُوَ الْوَاجِبُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقُومُوا بِهِ فَيَجْعَلُوا الْكِتَابَ إِمَامًا لَهُمْ وَنُصْبَ أَعْيُنِهِمْ لَا شَيْئًا مُهْمَلًا مُلْقًى وَرَاءَ الظَّهْرِ لَا يُنْظَرُ إِلَيْهِ، وَلَا يُفَكَّرُ فِي شَأْنِهِ، وَكَذَلِكَ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ (مِنْهُمُ) الَّذِينَ يَحْمِلُونَهُ كَمَا يَحْمِلُ الْحِمَارُ الْأَسْفَارَ فَلَا يَسْتَفِيدُ مِمَّا فِيهَا شَيْئًا، (وَمِنْهُمُ) الَّذِينَ يُحَرِّفُونَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ، (وَمِنْهُمُ) الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِنْهُ إِلَّا أَمَانِيَّ يَتَمَنَّوْنَهَا، أَيْ قِرَاءَاتٍ يَقْرَءُونَهَا، أَوْ تَشْهِيَاتٍ يَتَشَهُّونَهَا، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَسَيَأْتِي فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى.


الصفحة التالية
Icon