وأجاز بعضهم أن يكون " لِلأبْرَارِ " هو الخبر، و" خَيْرٌ " خبر ثانٍ، قال أبو البقاء :" والثاني - أي : الوجه الثاني - : أن يكون الخبر " لِلأبْرَارِ " والنية به التقديمُ، أي : والذي عند اللهِ مستقرٌّ للأبرارِ، و" خَيْرٌ " - على هذا - خبرٌ ثانٍ ".
وفي ادِّعاء التقديمِ والتأخيرِ نظرٌ ؛ لأن الأصلَ في الإخبار أنْ يكونَ بالاسمِ الصريحِ، فإذا اجتمعَ خبرٌ مفردٌ صريحٌ، وخبرٌ مؤوَّلٌ به بُدِئَ بالصريحِ من غير عكس - كالصفة - فإذا وقعا في الآية على الترتيبِ المذكور، فكيف يُدَّعَى فيها التقديمُ والتأخيرُ ؟.
ونقل أبو البقاء - عن بعضهم - أنه جعل " لِلأبْرَارِ " حالاً من الضمير في الظرف، " خّيْرٌ " خبر المبتدأ، قال :" وهذا بعيدٌ ؛ لأن فيه الفصل بين المبتدأ والخبر بحالٍ لغيره، والفصلُ بين الحالِ وصاحب الحالِ بخبر المبتدأ، وذلك لا يجوزُ في الاختيار ".
قال أبو حيّان :" وقيل : فيه تقديمٌ وتأخيرٌ، أي : الذي عند الله للأبرار خير لهم، وهذا ذهولٌ عن قاعدةِ العربية من أن المجرور - إذ ذاك - يتعلق بما تعلَّق به الظرف الواقع صلة للموصوف، فيكون المجرورُ داخلاً في حيِّز الصِّلَةِ، ولا يُخْبَر عن الموصول إلا بعد استيفائه صِلته ومتعلقاتها ".
فإن عنى الشيخُ بالتقديم والتأخير على الوجه - أعني جعل " لِلأبْرَارِ " حالاً من الضمير في الظرف فصحيحٌ، لأنَّ العاملَ في الحالِ - حينئذ - الاستقرارُ الذي هو عاملٌ في الظرفِ الواقع صِلةً، فيلزم ما قاله، وإن عنى به الوجهَ الأول - أعني : جعل " لِلأبْرَارِ " خبراً، والنية به التقديم وب " خَيْرٌ " التأخير كما ذكر أبو البقاءِ، فلا يلزم ما قال ؛ لأنّ " لِلأبْرَارِ " - حينئذٍ - يتعلَّق بمحذوفٍ آخرَ غير الذي تعلُّق به الظرفُ.


الصفحة التالية
Icon