﴿ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ ﴾ من القرآن العظيم الشأن ﴿ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ ﴾ من الإنجيل والتوراة أو منهما وتأخير إيمانهم بذلك عن إيمانهم بالقرآن في الذكر مع أن الأمر بالعكس في الوجود لما أن القرآن عيار ومهيمن عليهما فإن إيمانهم بذلك إنما يعتبر بتبعية إيمانهم بالقرآن إذ لا عبرة بما في الكتابين من الأحكام المنسوخة وما لم ينسخ إنما يعتبر من حيث ثبوته بالقرآن ولتعلق ما بعد بذلك، وقيل : قدم الإيمان بما أنزل على المؤمنين تعجيلاً لإدخال المسرة عليهم، والمراد من الإيمان بالثاني الإيمان به من غير تحريف ولا كتم كما هو شأن المحرفين والكاتمين واتباع كل من العامة ﴿ خاشعين للَّهِ ﴾ أي خاضعين له سبحانه، وقال ابن زيد : خائفين متذللين، وقال الحسن : الخشوع الخوف اللازم للقلب من الله تعالى وهو حال من فاعل يؤمن وجمع حملاً على المعنى بعد ما حمل على اللفظ أولاً، وقيل : حال من ضمير ﴿ إِلَيْهِمُ ﴾ وهو أقرب لفظاً فقط، وجيء بالحال تعريضاً بالمنافقين الذين يؤمنون خوفاً من القتل، و﴿ لِلَّهِ ﴾ متعلق بخاشعين، وقيل : هو متعلق بالفعل المنفي بعده وهو في نية التأخير كأنه قال سبحانه :﴿ لاَ يَشْتَرُونَ بآيات الله ثَمَناً قَلِيلاً ﴾ لأجل الله تعالى، والأول أولى، وفي هذا النفي تصريح بمخالفتهم للمحرفين، والجملة في موضع الحال أيضاً والمعنى لا يأخذون عوضاً يسيراً على تحريف الكتاب وكتمان الحق من الرشا والمآكل كما فعله غيره ممن وصفه سبحانه فيما تقدم، ووصف الثمن بالقليل إما لأن كل ما يؤخذ على التحريف كذلك ولو كان ملء الخافقين، وإما لمجرد التعريض بالآخذين ومدحهم بما ذكر ليس من حيث عدم الأخذ فقط بل لتضمن ذلك إظهار ما في الآيات من الهدى وشواهد نبوته صلى الله عليه وسلم.


الصفحة التالية
Icon