وأما ثانيا فلانالأخلاق الفاضلة أيضا تحتاج في ثباتها واستقرارها إلى ضامن يضمن حفظها وكلاءتها وليس إلا التوحيد أعني القول بأن للعالم إلها واحدا ذا أسماء حسنى خلق الخلق لغاية تكميلهم وسعادتهم وهو يحب الخير والصلاح ويبغض الشر والفساد وسيجمع الجميع لفصل القضاء وتوفية الجزاء فيجازي المحسن بإحسانه والمسئ بإساءته ومن الواضح أن لو لا الاعتقاد بالمعاد لم يكن هناك سبب أصيل رادع عن اتباع الهوى والكف عن حظوظ النفس الطبيعية فإنما الطبيعة الإنسانية تريد وتشتهي مشتهيات نفسها لا ما ينتفع به غيرها كطبيعة الفرد الآخر إلا إذا رجع بنحو إلى مشتهى نفسها (أحسن التأمل فيه).
ففيما كان للإنسان مثلا تمتع في إماتة حق من حقوق الغير ولا رادع يردعه ولا مجازي يجازيه ولا لائم معاتب يلومه ويعاتبه فأي مانع يمنعه من اقتراف الخطيئة وارتكاب المظلمة وإن عظمت ما عظمت ؟ وأما ما يتوهم وكثيرا ما يخطي فيه الباحث من الروادع المختلفة كالتعلق بالوطن وحب النوع والثناء الجميل ونحو ذلك فإنما هي عواطف قلبية ونزوعات باطنية لا سبب حافظا عليها إلا التعليم والتربية من غير استنادها إلى السبب الموجب فهي إذن أوصاف اتفاقية وامور عادية لا مانع معها يمنع من زوالها فلماذا يجب على الإنسان أن يفدي بنفسه غيره ليتمتع بالعيش بعده وهو يرى أن الموت فناء وبطلأن ؟ والثناء الجميل إنما هو في لسان آخرين ولا لذة يلتذ به الفادي بعد بطلانذاته.