وعن علي أن النبي ﷺ كان إذا قام من الليل يتسوّك ثم ينظر إلى السماء ثم يقول :﴿ إن في خلق السموات والأرض ﴾ واعلم أنه ذكر في سورة البقرة أن في خلق السموات والأرض إلى أن عد ثمانية دلائل، وههنا اقتصر منها على الثلاثة الأول تنبيهاً على أن العارف بعد استكمال المعرفة لا بد له من تقليل الدلائل ليكمل له الاستغراق في معرفة المدلول، فإن البصيرة إذا التفتت إلى معقول عسر عليها الالتفات إلى آخر كالبصر إذا حدّق إلى مرئي امتنع تحديقه نحو آخر، وإليه الإشارة بقوله :﴿ فاخلع نعليك ﴾ [ طه : ١٢ ] يعني المقدمتين اللتين وصلت بهما إلى النتيجة وهو وادي قدس الوحدانية. وإنما وقع الاقتصار على الدلائل السماوية لأنها أقهر وأبهر، والعجائب فيها أكثر، وانتقال النفس منها إلى عظمة الله أيسر. وإنما قال في تلك السورة ﴿ لآيات لقوم يعقلون ﴾ [ البقرة : ١٦٤ ] وفي هذه السورة ﴿ لآيات لأولي الألباب ﴾ لأن العقل له ظاهر ولب، فف أول الأمر يكون عقلاً وفي كمال الحال يكون لباً. وباقي التفسير قد مرهناك. ثم بعد دلائل الإلهية ذكر وظائف العبودية وهي أن يكون باللسان وسائر الأركان وبالجنان مع الرحمن. فقوله :﴿ الذين يذكرون الله ﴾ إشارة إلى عبودية اللسان. وقوله :﴿ قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ﴾ وهو في موضع حال آخر أي معتمدين على الجنب إشارة إلى عبودية سائر الجوارح والأركان. والمراد أنهم ذاكرون في أغلب أحوالهم كما قال ﷺ :" من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله " وقيل : المراد بالذكر ههنا الصلاة أي يصلون في حال القيام فإن عجزوا ففي حال القعود، فإن عجزوا ففي حال الاعتماد. وهذا موافق لمذهب الشافعي في ترتيب صلاة المريض العاجز ويوافق بحثاً طبياً، وهو أن الاستلقاء يمنع من استكمال الفكر والتدبر بخلاف الاضطجاع على الجنب. والصلاة إذا كانت عن فكر وتدبر كانت أولى، ولأن الاستغراق في


الصفحة التالية
Icon