وأشار إلى أنها من منّه وفضله بقوله :﴿ربهم﴾ أي المحسن إليهم المتفضل عليهم ﴿إني لا أضيع عمل عامل منكم﴾ كائناً من كان ﴿من ذكر أو أنثى﴾ وقوله معللاً :﴿بعضكم من بعض﴾ التفات إلى قوله سبحانه ﴿إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم﴾ [ آل عمران : ٥٩ ] الناظر إلى قوله ﴿ذرية بعضها من بعض﴾ [ آل عمران : ٣٤ ] المفتتح بأن الله سبحانه وتعالى ﴿اصطفى آدم ونوحاً﴾ [ آل عمران : ٣٣ ] المنادي بأن البشر كلهم في العبودية للواحد - الذي ليس كمثله شيء الحي القيوم - سواء من غير تفاوت في ذلك أصلاً، والمراد أنهم إذا كانوا مثلهم في النسب فهم مثلهم في الأجر على العمل.
ولما أقر أعينهم بألإجابة، وكان قد تقدم ذكر الأنصار عموماً في قوله :﴿ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم - وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين﴾ [ آل عمران : ١٧٠-١٧١ ] خص المهاجرين بياناً لفضلهم وزيادة شرفهم بتحقيقهم لكونهم معه، لم يأنسوا بغيره ولم يركنوا لسواه من أهل ولا مال بقوله مسبباً عن الوعد المذكور ومفصلاً ومعظماً ومبجلاً :﴿فالذين هاجروا﴾ أي صدقوا إيمانهم بمفارقة أحب الناس غليهم في الدين المؤدي إلى المقاطعة وأعز البلاد عليهم.
ولما كان للوطن من القلب منزل ليس لغيره نبه عليه بقوله :﴿وأخرجوا من ديارهم﴾ أي وهي آثر المواطن عندهم بعد أن باعدوا أهلهم وهم أقرب الخلائق إليهم، ولما كان الأذى مكروهاً لنفسه لا بالنسبة إلى معين بنى للمفعول قوله :﴿وأوذوا﴾ أي بغير ذلك من أنواع الأذى ﴿في سبيلي﴾ أي بسبب ديني الذي نهجته ليسلك إليّ فيه، وحكمت أنه لا وصول إلى رضائي بدونه ﴿وقاتلوا﴾ أي في سبيلي.


الصفحة التالية
Icon