وأورد عليه أن الغارية والمغرورية متضايفان، وقد صرحوا بأن القطع والانقطاع ونحو ذلك مثلاً متضايفان، وحقق أن المتضايفين لا يصح أن يكون أحدهما سبباً للآخر بل هما معاً في درجة واحدة، فالأولى أن يقال : علق النهي بكون التقلب غاراً ليفيد نهي المخاطب عن الاغترار لأن نفي أحد المتضايفين يستلزم نفي الآخر، ولا يخفى أن هذا مبني على ما لم يقع الإجماع عليه، ولعل النظر الصائب يقضي بخلافه، وفسر الموصول بالمشركين من أهل مكة، فقد ذكر الواحدي أنهم كانوا في رخاء ولين من العيش وكانوا يتجرون ويتنعمون فقال بعض المؤمنين : إن أعداء الله تعالى فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد فنزلت الآية، وبعض فسره باليهود، وحكي أنهم كانوا يضربون في الأرض ويصيبون الأموال والمؤمنون في عناء فنزلت، وإلى ذلك ذهب الفراء، والقول الأول أظهر، وأياً مّا كان فالجملة مسوقة لتسلية المؤمنين وتصبيرهم ببيان قبح ما أوتي الكفرة من حظوظ الدنيا إثر بيان حسن ما سينالونه من الثواب الجزيل والنعيم المقيم، وقرأ يعقوب برواية رويس وزيد ﴿ وَلاَ يَغُرَّنَّكُم ﴾ بالنون الخفيفة.
﴿ متاع قَلِيلٌ ﴾ خبر مبتدأ محذوف أي هو يعني تقلبهم متاع قليل، وقلته إما باعتبار قصر مدته أو بالقياس إلى ما فاتهم مما أعد الله تعالى للمؤمنين من الثواب، وفيما رواه مسلم مرفوعاً " ( والله ) ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه ( هذه وأشار يحيى بالسبابة ) ( ١ ) في اليم فلينظر بم ترجع "، وقيل : إن وصف ذلك المتاع بالقلة بالقياس إلى مؤنة السعي وتحمل المشاق فضلاً عما يلحقه من الحساب والعقاب في دار الثواب ولا يخفى بعده ﴿ ثُمَّ ﴾ أي مصيرهم الذي يأوون إليه ويستقرون فيه بعد انتقالهم من الأماكن التي يتقلبون فيها.


الصفحة التالية