فإن هذه الكلمة اشتملت على نوعين منها : أحدهما : الباء ؛ وثانيهما : لفظ " من " فنقول : في لفظ " من " مباحث :
( أ ) أنك تقول :" أخذت المال من ابنك " فتكسر النون ثم تقول :" أخذت المال من الرجل " فتفتح النون، فههنا اختلف آخر هذه الكلمة، وإذا اختلفت الأحوال دلت على اختصاص كل حالة بهذه الحركة، فههنا اختلف آخر هذه الكلمة باختلاف العوامل، فإنه لا معنى للعامل إلا الأمر الدال على استحقاق هذه الحركات، فوجب كون هذه الكلمة معربة.
( ب ) كلمة " من " وردت على وجوه أربعة : إبتداء الغاية، والتبعيض، والتبيين، والزيادة.
( ج ) قال المبرد : الأصل هو ابتداء الغاية، والبواقي مفرعة عليه، وقال آخرون : الأصل هو التبعيض، والبواقي مفرعة عليه.
( د ) أنكر بعضهم كونها زائدة، وأما قوله تعالى :﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ﴾
[ نوح : ٤ ] فقد بينوا أنه يفيد فائدة زائدة فكأنه قال يغفر لكم بعض ذنوبكم، ومن غفر كل بعض منه فقد غفر كله.
( ه ) الفرق بين من وبين عن لا بدّ من ذكره قال الشيطان ﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيمانهم وَعَن شَمَائِلِهِمْ﴾
[ الأعراف : ١٧ ] وفيه سؤالان : الأول : لم خص الأولين بلفظ من والثالث والرابع بلفظ عن.
الثاني : لما ذكر الشيطان لفظ من ولفظ عن فلم جاءت الاستعاذة بلفظ من فقال :( أعوذ بالله من الشيطان ) ولم يقل عن الشيطان.
النوع الرابع من مباحث هذا الباب :