فصل


قال الإمام القرطبى عيه الرحمة ما نصه :
القول في الاستعاذة
وفيها اثنتا عشرة مسألة :
الأولى : أَمَر الله تعالى بالاستعاذة عند أوّل كل قراءة فقال تعالى :﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾
( النحل : ٩٨ ) أي إذا أردت أن تقرأ ؛ فأوقع الماضي موقع المستقبل كما قال الشاعر :
وإني لآتيكم لذكري الذي مضى
من الودّ واستئناف ما كان في غدِ
أراد ما يكون في غد ؛ وقيل : في الكلام تقديم وتأخير، وأن كل فعلين تقاربا في المعنى جاز تقديم أيهما شئت ؛ كما قال تعالى :﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى﴾
( النجم : ٨ ) المعنى فتدلى ثم دنا ؛ ومثله :﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾
( القمر : ١ ) وهو كثير.
الثانية : هذا الأمر على النَّدْب في قول الجمهور في كل قراءة في غير الصلاة. واختلفوا فيه في الصلاة. حكى النّقاش عن عطاء : أن الاستعاذة واجبة. وكان ابن سيرين والنّخعِي وقوم يتعوّذون في الصلاة كل ركعة، ويمتثلون أمر الله في الاستعاذة على العموم، وأبو حنيفة والشافعيّ يتعوّذان في الركعة الأولى من الصلاة ويريان قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة ؛ ومالك لا يرى التعوّذ في الصلاة المفروضة ويراه في قيام رمضان.
الثالثة : أجمع العلماء على أن التعوّذ ليس من القرآن ولا آية منه، وهو قول القارىء : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وهذا اللفظ هو الذي عليه الجمهور من العلماء في التعوّذ لأنه لفظ كتاب الله تعالى. ورُوي عن ابن مسعود أنه قال : قلت أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ؛ فقال لي النبيّ صلى الله عليه وسلّم :" يابن أُمِّ عَبْد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأني جبريل عن اللوح المحفوظ عن القلم ".


الصفحة التالية
Icon