عليه توفيقا بين الآية وبين الخبر الذي رويناه، ومما يقوي ذلك من المناسبات العقلية، أن
المقصود من الاستعاذة نفي وساوس الشيطان عند القراءة ؛ قال تعالى :( وما أرسلنا من
قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ( [ الحج : ٥٢ ] فأمره الله
- تعالى - بتقديم الاستعاذة قبل القراءة ؛ لهذا السبب.
قال ابن الخطيب - رحمه الله تعالى - :" وأقول : ها هنا قول ثالث : وهو [ أن ]
يقرأ الاستعاذة قبل القراءة ؛ بمقتضى الخبر، وبعدها ؛ بمقتضى القرآن ؛ جمعا بين الدلائل
بقدر الإمكان ".
قال عطاء - رحمه الله تعالى - : الاستعاذة واجبة لكل قراءة، سواء كانت في الصلاة
أو غيرها.
وقال ابن سيرين - رحمه الله تعالى - : إذا تعوذ الرجل مرة واحدة في عمره، فقد كفى
في إسقاط الوجوب، وقال الباقون : إنها غير واجبة.
حجة الجمهور : أن النبي - ( ﷺ ) وشرف وكرم وبجل وعظم -
لم يعلم الأعرابي الاستعاذة في جملة أعمال الصلاة.
ولقائل أن يقول : إن ذلك الخبر غير مشتمل على بيان جملة واجبات الصلاة، فلم
يلزم من عدم الاستعاذة فيه، عدم وجوبها.
واحتج عطاء على وجوب الاستعاذة بوجوه :
الأول : أنه - عليه الصلاة والسلام - واظب عليه ؛ فيكون واجبا - لقوله تعالى :
) واتبعوه ( [ الأعراف : ١٥٨ ].
الثاني : أن قوله تعالى :( فاستعذ ( أمر ؛ وهو للوجوب، ثم إنه يجب القول بوجوبه
عند كل [ قراءة ]، لأنه تعالى قال :( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) { النحل : ٩٨ ] وذكر الحكم عقيب الوصف المناسب يدل على التعليل، والحكم يتكرر
بتكرر العلة.
الثالث : أنه - تعالى - أمر بالاستعاذة ؛ لدفع شر الشيطان ؛ وهو اجب، وما لا يتم
الواجب إلا به، فهو واجب.

فصل في حكم التعوذ قبل القراءة


التعوذ في الصلاة مستحب قبل القراءة عند الأكثرين.


الصفحة التالية
Icon