وسورة النساء هى سورة الإنسانية، ففيها عين القرآن الكريم العلاقات الإنسانية التى تربط الناس بعضهم ببعض، وما ينبغى أن تنهجه المجتمعات الفاضلة فى جعل العلاقة الإنسانية الأصيلة تسير فى مجراها الطبيعى الذى رسمه رب العالمين بمقتضى الفطرة، وفيها ما حده الله - تعالى - لعلاح الانحراف الذى ينحرف به ذوو الأهواء من الآحاد والجماعات.
ابتدئت السورة الكريمة ببيان الارتباط الإنسانى الجامع الذى تلتقى عنده البشرية جميعها، فقال - سبحانه - :(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها... -، وإذا كان الناس جميعا ينتهون إلى أصل واحد فإنه لا بد من التساوى، ولا بد من التراحم لهذه الرحم الواصلة، ثم إن أول مظاهر التراحم هو الأخذ بيد الضعفاء، وأوضح الضعفاء مظهرا أولئك اليتامى الذين لا عائل يعولهم، وإن اليتيم المقهور هو الذى يتولد فيه الانحراف، ومن الانحراف تكون العداوة، ويكون الشر المستطير، ولذلك ابتدئت السورة بعد إثبات الوحدة الجامعة بعلاج اليتم لتكون الجماعات فى طريق المودة.
واليتيم لا يحتاح فقط إلى الغذاء والكساء بل يحتاح إلى المودة والإصلاح
فى نفسه وماله :(وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا، .
وفى سبيل بيان حقوق اليتامى يبين - سبحانه - نظام التوزيع المالى للأسرة
عندما يموت واحد منها، فيبين الميراث وأنه حد لله تعالى للحقوق المالية لمن يخلفون المتوفى فى ماله، وأن الانحراف عنه عصيان لله تعالى.