الثانية : في إيثار الأمر بنكاحهن على النهي عن نكاح اليتامى، مع أنه المقصود بالذات، مزيدُ لطف في استنزالهم عن ذلك، فإن النفس مجبولة على الحرص على ما منعت منه، كما أن وصف النساء بالطيب على الوجه الذي أشير إليه، فيه مبالغة في الاستمالة إليهن والترغيب فيهن، وكل ذلك للاعتناء بصرفهم عن نكاح اليتامى -، أفاده أبو السعود -.
الثالثة : اتفق أهل العلم على أن هذا الشرط المذكور في الآية لا مفهوم له، وأنه يجوز لمن لم يخف أن يقسط في اليتامى أن ينكح أكثر من واحدة.
الرابعة : مثنى وثلاث ورباع معدولة عن أعداد مكررة، ومحلهن النصب على أنها حال من فاعل ( طاب ) مؤكدة لما، أفاده وصف الطيب من الترغيب فيهن، والاستمالة إليهن، بتوسيع دائرة الإذن، أي : فانكحوا الطيبات لكم، معدودات هذا العدد، ثنتين ثنتين، وثلاثاً ثلاثاً، وأربعاً أربعاً، حسبما تريدون.
فإن قلت : الذي أطلق للناكح في الجمع أن يجمع بين ثنتين أو ثلاث أو أربع، فما معنى التكرير في مثنى وثلاث ورباع ؟ قلت : الخطاب للجميع، فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الذي أطلق له، كما تقول للجماعة : اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم، درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة، ولو أفردت لم يكن له معنى.
فإن قلت : فلم جاء العطف بواو دون ( أو )، قلت : كما جاء بالواو في المثال الذي حذوته لك، ولو ذهبت تقول : اقتسموا هذا المال درهمين درهمين أو ثلاثاً ثلاثاً أو أربعة أربعة، أعلمتَ أنه لا يسوغ لهم أن يقتسموه إلا على أحد أنواع هذه القسمة، وليس لهم أن يجمعوا بينها، فيجعلوا بعض القسم على تثنية وبعضه على تثليث وبعضه على تربيع، وذهب معنى تجويز الجمع بين أنواع القسمة الذي دلت عليه الواو.