الثاني : أن سنة الرجل طريقته، وكان التزوج بالأكثر من الأربع طريقة الرسول عليه الصلاة والسلام، فكان ذلك سنة له، ثم إنه عليه السلام قال :< فمن رغب عن سنتي فليس مني >، فظاهر هذا الحديث يقتضي توجه اللوم على من ترك التزوج بأكثر من الأربعة، فلا أقل من أن يثبت أصل الجواز.
واعلم أن معتمد الفقهاء في إثبات الحصر على أمرين :
الأول :
الخبر : وهو ما روي أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة فقال الرسول صلى الله عليه وسلم
< أمسك أربعاً وفارق باقيهن >.
وروي أن نوفل بن معاوية أسلم وتحته خمس نسوة فقال عليه الصلاة السلام :< أمسك أربعاً وفارق واحدة >.
واعلم أن هذا الطريق ضعيف لوجهين :
الأول : أن القرآن لما دل على عدم الحصر بهذا الخبر كان ذلك نسخاً للقرآن بخبر الواحد، وإنه غير جائز.
والثاني : وهو أن الخبر واقعة حال، فلعله عليه الصلاة والسلام إنما أمره بإمساك أربع ومفارقة البواقي، لأن الجمع بين الأربعة وبين البواقي غير جائز إما بسبب النسب أو بسبب الرضاع.
وبالجملة فلهذا الاحتمال قائم في هذا الخبر فلا يمكن نسخ القرآن بمثله.
الطريق الثاني : وهو إجماع فقهاء الأمصار على أنه لا يجوز الزيادة على الأربع، وهذا هو المعتمد، وفيه سؤالان :
الأول : أن الإجماع لا يَنسخَ ولا يُنسخ فكيف يقال : الإجماع نسخ هذه الآية.
الثاني : أن في الأمة أقواماً شذاذاً لا يقولون بحرمة الزيادة على الأربع، والإجماع مع مخالفة الواحد والاثنين لا ينعقد.
والجواب عن الأول :
أن الإجماع يكشف عن حصول الناسخ في زمن الرسول صَلّى اللهُ عليّه وسلّم.
وعن الثاني : أن مخالف هذا الإجماع من أهل البدعة فلا عبرة بمخالفته. انتهى كلام الرازي، وقوله ( من أهل البدعة ) لا يجوز أخذه على عمومه لما ستراه.