قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى في " وبل الغمام " : الذي نقله إلينا أئمة اللغة والإعراب وصار كالمجمع عليه عندهم، أن العدل في الأعداد يفيد أن المعدود لما كان متكثراً يحتج استيفاؤه إلى أعداد كثيرة كانت صيغة العدل المفرد في قوة تلك الأعداد، فإن كان مجيء القوم مثلاً اثنين اثنين، أو ثلاثة ثلاثة، أو أربعة أربعة، وكانوا ألوفاً مؤلفة، فقلت : جاءني القوم مثنى، أفادت هذه الصيغة أنهم جاءوا اثنين اثنين، حتى تكاملوا.
فإن قلت : مثنى وثلاث ورباع، أفاد ذلك أن القوم جاءوك تارة اثنين اثنين، وتارة ثلاثة ثلاثة، وتارة أربعة أربعة، فهذه الصيغ بينت مقدار عدد دفعات المجيء لا مقدار عدد جميع القوم، فإنه لا يستفاد منها أصلاً، بل غاية ما يستفاد منها أن عددهم متكثر تكثراً تشق الإحاطة به.
ومثل هذا إذا قلت : نكحت النساء مثنى، فإن معناه نكحتهن اثنتين اثنتين، وليس فيه دليل على أن كل دفعة من هذه الدفعات لم يدخل في نكاحه إلا بعد خروج الأولى، كما أنه لا دليل في قولك : جاءني القوم مثنى، أنه لم يصل الاثنان الآخران إليك إلا وقد فارقك الاثنان الأولان، إذا تقرر هذا فقوله تعالى :﴿ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ﴾ يستفاد منه جواز نكاح النساء اثنتين اثنتين وثلاثاً ثلاثاً وأربعاً أربعاً.
والمراد جواز تزوج كل دفعة من هذه الدفعات في وقت من الأوقات، وليس في هذا تعرض لمقدار عددهن، بل يستفاد من الصيغ الكثرة من غير تعيين، كما قدمنا في مجيء القوم.
وليس فيه أيضاً دليل على أن الدفعة الثانية كانت بعد مفارقة الدفعة الأولى، ومن زعم أنه نقل إلينا أئمة اللغة والإعراب ما يخالف هذا، فهذا مقام الاستفادة منه، فليتفضل بها علينا، وابن عباس، إن صح عنه في الآية أنه قصر الرجال على أربع فهو فرد من أفراد الأمة.


الصفحة التالية
Icon