وأما القعقعة بدعوى الإجماع فما أهونها وأيسر خطبها عند من لم تفزعه هذه الجلبة وكيف يصح إجماع خالفته الظاهرية وابن الصباغ وآل عمرانيّ، والقاسم بن إبراهيم، نجم آل الرسول، وجماعة من الشيعة، وثلة من محققي المتأخرين، خالفه أيضاً القرآن الكريم، كما بيناه.
وخالفه أيضاً فعل رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، كما صح ذلك تواتراً، من جمعه بين تسع أو أكثر في بعض الأوقات.
﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾ [ الحشر : من الآية ٧ ].
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [ الأحزاب : من الآية ٢١ ].
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ﴾ [ آل عِمْرَان : من الآية ٣١ ] ودعوى الخصوصية مفتقرة إلى دليل، والبراءة الأصلية مستصحبة لا ينقل عنها إلا ناقل صحيح تنقطع عنه المعاذير.
وأما حديث أمره صَلّى اللهُ عليّه وسلّم لغيلان، لما أسلم وتحته عشر نسوة، بأن يختار منهن أربعاً ويفارق سائرهن، كما أخرجه الترمذيّ وابن ماجة وابن حبان، فهو وإن كان له طرق، فقد قال ابن عبد البر : كلها معلولة، وأعله غيره من الحفاظ بعلل أخرى، ومثل هذا لا ينْتَهِضُ للنقل عن الدليل القرآني والفعل المصطفويّ الذي مات صَلّى اللهُ عليّه وسلّم عليه والبراءة الأصلية.
ومن صحح لنا هذا الحديث على وجه تقوم به الحجة، أو جاءنا بدليل في معناه، فجزاه الله خيراً، فليس بين أحد وبين الحق عداوة.
وعلى العالم أن يوفي الاجتهاد حقه لا سيما في مقامات التحرير والتقرير، كما نفعله في كثير من الأبحاث، وإذا حاك في صدره شيء فليكن تورعه في العمل لا في تقرير الصواب، فإياك أن تحامي التصريح بالحق الذي تبلغ إليه ملكتك، لقيل وقال.