فالأولى أن يستدل على تحريم الزيادة على الأربع بالسنة لا بالقرآن، وأما استدلال من استدل بالآية على جواز نكاح التسع باعتبار الواو الجامعة وكأنه قال : انكحوا مجموع هذا العدد المذكور، فهذا جهل بالمعنى العربيّ، ولو قال : انكحوا اثنتين وثلاثاً وأربعاً كان هذا القول له وجه، وأما مع المجيء بصيغة العدل فلا، وإنما جاء سبحانه بالواو الجامعة دون ( أو ) لأن التخيير يشعر بأنه لا يجوز إلا أحد الأعداد المذكورة دون غيره، وذلك ليس بمراد من النظم القرآني.
أخرج الشافعيّ وابن أبي شيبة وأحمد والترمذيّ وابن ماجة والدارقطني والبيهقيّ، عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم :< اختر منهن ( وفي لفظ أمسك منهن ) أربعاً وفارق سائرهن >، وروي هذا الحديث بألفاظ من طرق.
وعن نوفل بن معاوية الديليّ قال : أسلمت وعندي خمس نسوة، فقال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم :< أمسك أربعاً وفارق الأخرى >، أخرجه الشافعيّ في مسنده.
وأخرج ابن ماجة والنحاس في " تاريخه " عن قيس بن الحارث الأسدي قال : أسلمت وكان تحتي ثمان نسوة، فأتيت النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم فأخبرته، فقال :< اختر منهن أربعاً وخل سائرهن >، ففعلت، وهذه شواهد للحديث الأول كما قال البيهقيّ.
وقال قدس سره أيضاً في كتابه " السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار " : أما الاستدلال على تحريم الخامسة وعدم جواز زيادة على الأربع بقوله عز وجل :﴿ مّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ فغير صحيح، كما أوضحته في " شرحي للمنتقى " وقد قدمناه.
ولكن الاستدلال على ذلك بحديث قيس بن الحارث وحديث غيلان الثقفي وحديث نوفل بن معاوية هو الذي ينبغي الاعتماد عليه، وإن كان في كل واحد منها مقال، لكن الإجماع على ما دلت عليه قد صارت به من المجمع على العمل عليه.