ولما أشعر النهي عن أكل الكل بأن لهم في الأكل في الجملة علة مقبولة، أفصح به في قوله :﴿ومن كان﴾ أي منكم أيها الأولياء ﴿غنياً فليستعفف﴾ أي يطلب العفة ويوجدها ويظهرها عن الأكل منها جملة، فيعف عنه بما بسط الله له من رزقه ﴿ومن كان فقيراً﴾ وهو يتعهد مال اليتيم لإصلاحه، ولما كان يخشى من امتناعه من الأكل منه التفريط فيه بالاشتغال بما يهمه في نفسه، أخرج الكلام في صيغة الأمر فقال معبراً بالأكل لأنه معظم المقصود :﴿فليأكل بالمعروف﴾ أي بقدر أجرة سعيه.
ولما كان ذلك ربما أفهم الأمان إلى الرشد بكل اعتبار، أمر بالحزم - كما في الطبراني الأوسط عن أنس " احترسوا من الناس بسوء الظن " - فقال :﴿فإذا دفعتم إليهم﴾ أي اليتامى ﴿أموالهم﴾ أي التي كانت تحت أيديكم لعجزهم عن حفظها ﴿فأشهدوا عليهم﴾ أي احتياطاً لأن الأحوال تتبدل، والرشد يتفاوت، فالإشهاد أقطع للشر، وأنفع في كل أمر، والأمر بالإشهاد أزجر للولي عن الخيانة، لأن من عرف أنه لا يقبل عند الخصام إلا ببينة عف غاية العفة، واحترز غاية الاحتراز.
ولما كانت الأموال مظنة لميل النفوس، وكان الحب للشيء يعمي ويصم ؛ ختم الآية بقوله :﴿وكفى بالله﴾ أي الذي له الحكمة البالغة والقدرة الباهرة والعظمة التي لا مثل لها، والباء في مثل هذا تأكيد لأن ما قرنت به هو الفاعل حقيقة لا مجازاً - كما إذا أمرنا بالفعل مثلاً ﴿حسيباً﴾ أي محاسباً بليغاً في الحساب، فهو أبلغ تحذيراً لهم وللأيتام من الخيانة والتعدي ومدّ العين إلى حق الغير. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢١٦ ـ ٢١٧﴾
وقال الفخر :


الصفحة التالية
Icon