وعبّر عن استكمال قوّة النماء الطبيعي ببلغوا النكاح }، فأسند البلوغ إلى ذواتهم لأنّ ذلك الوقت يدعو الرجل للتزوّج ويدعو أولياء البنت لتزويجها، فهو البلوغ المتعارف الذي لا متأخّر بعده، فلا يشكل بأنّ الناس قد يزوّجون بناتهم قبل سنّ البلوغ، وأبناءهم أيضاً في بعض الأحوال، لأنّ ذلك تعجّل من الأولياء لأغراض عارضة، وليس بلوغاً من الأبناء أو البنات. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ٢٩ ـ ٣٠﴾
قوله تعالى ﴿ فَإِنْ ءانَسْتُمْ ﴾
فصل
قال الفخر :
أما إيناس الرشد فلا بد فيه من تفسير الإيناس ومن تفسير الرشد، أما الايناس فقوله :﴿ءانَسْتُمْ﴾ أي عرفتم وقيل : رأيتم، وأصل الإيناس في اللغة الإبصار، ومنه قوله :﴿ءَانَسَ مِن جَانِبِ الطور نَاراً﴾ [ القصص : ٢٩ ] وأما الرشد فمعلوم أنه ليس المراد الرشد الذي لا تعلق له بصلاح ماله، بل لا بد وأن يكون هذا مراداً، وهو أن يعلم أنه مصلح لما له حتى لا يقع منه إسراف ولا يكون بحيث يقدر الغير على خديعته، ثم اختلفوا في أنه هل يضم إليه الصلاح في الدين ؟ فعند الشافعي رضي الله عنه لا بد منه، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه هو غير معتبر، والأول أولى، ويدل عليه وجوه : أحدها : أن أهل اللغة قالوا : الرشد هو إصابة الخير، والمفسد في دينه لا يكون مصيباً للخير.
وثانيها : أن الرشد نقيض الغي قال تعالى :﴿قَد تَّبَيَّنَ الرشد مِنَ الغي﴾ [ البقرة : ٢٥٦ ] والغي هو الضلال والفساد وقال تعالى :﴿وعصى ءادَمَ رَبَّهُ فغوى﴾ [ طه : ١٢١ ] فجعل العاصي غويا، وهذا يدل على أن الرشد لا يتحقق إلا مع الصلاح في الدين، وثالثها : أنه تعالى قال :﴿وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ [ هود : ٩٧ ] نفي الرشد عنه لأنه ما كان يراعي مصالح الدين، والله أعلم.