قوله تعالى ﴿وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كلالة أوامرأة وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلّ واحد مّنْهُمَا السدس فَإِن كَانُواْ أَكْثَرَ مِن ذلك فَهُمْ شُرَكَاء فِى الثلث مِن بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار وصية الله والله عليم حليم ﴾

فصل


قال الفخر :
كثر أقوال الصحابة في تفسير الكلالة، واختيار أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنها عبارة عمن سوى الوالدين والولد، وهذا هو المختار والقول الصحيح، وأما عمر رضي الله عنه فإنه كان يقول : الكلالة من سوى الولد، وروي أنه لما طعن قال : كنت أرى أن الكلالة من لا ولد له، وأنا أستحيى أن أخالف أبا بكر، الكلالة من عدا الوالد والولد، وعن عمر فيه رواية أخرى : وهي التوقف، وكان يقول : ثلاثة، لأن يكون بينها الرسول ﷺ لنا أحب الي من الدنيا وما فيها : الكلالة، والخلافة، والربا.
والذي يدل على صحة قول الصديق رضي الله عنه وجوه :
الأول : التمسك باشتقاق لفظ الكلالة وفيه وجوه :
الأول : يقال : كلت الرحم بين فلان وفلان إذا تباعدت القرابة، وحمل فلان على فلان، ثم كل عنه إذا تباعد.
فسميت القرابة البعيدة كلالة من هذا الوجه.
الثاني : يقال : كل الرجل يكل كلا وكلالة إذا أعيا وذهبت قوته، ثم جعلوا هذا اللفظ استعارة من القرابة الحاصلة لا من جهة الولادة، وذلك لانا بينا أن هذه القرابة حاصلة بواسطة الغير فيكون فيها ضعف، وبهذا يظهر أنه يبعد ادخال الوالدين في الكلالة لأن انتسابهما إلى الميت بغير واسطة.
الثالث : الكلالة في أصل اللغة عبارة عن الإحاطة، ومنه الاكليل لاحاطته بالرأس، ومنه الكل لاحاطته بما يدخل فيه، ويقال تكلل السحاب إذا صار محيطا بالجوانب، إذا عرفت هذا فنقول : من عدا الوالد والولد إنما سموا بالكلالة، لأنهم كالدائرة المحيطة بالإنسان وكالاكليل المحيط برأسه : أما قرية الولادة فليست كذلك فإن فيها يتفرع البعض عن البعض : ويتولد البعض من البعض، كالشيء الواحد الذي يتزايد على نسق واحد، ولهذا قال الشاعر :
نسب تتابع كابراً عن كابر.. كالرمح أنبوبا على أنبوب


الصفحة التالية
Icon