قلنا : لو كان كذلك لما أفرد ذكر النساء من قبل، فلما أفرد ذكرهن ثم ذكر بعد قوله :﴿واللذان يأتيانها مِنكُمْ﴾ سقط هذا الاحتمال.
الثاني : هو أن على هذا التقدير لا يحتاج إلى التزام النسخ في شيء من الآيات، بل يكون حكم كل واحدة منها باقيا مقرراً، وعلى التقدير الذي ذكرتم يحتاج إلى التزام النسخ، فكان هذا القول أولى.
والثالث : أن على الوجه الذي ذكرتم يكون قوله :﴿واللاتى يَأْتِينَ الفاحشة﴾ في الزنا وقوله :﴿واللذان يأتيانها مِنكُمْ﴾ يكون أيضا في الزنا، فيفضي إلى تكرار الشيء الواحد في الموضع الواحد مرتين وإنه قبيح، وعلى الوجه الذي قلناه لا يفضي إلى ذلك فكان أولى.
الرابع : أن القائلين بأن هذه الآية نزلت في الزنا فسروا قوله :﴿أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً﴾ بالرجم والجلد والتغريب، وهذا لا يصح لأن هذه الأشياء تكون عليهن لا لهن.
قال تعالى :﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكتسبت﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ] وأما نحن فإنا نفسر ذلك بأن يسهل الله لها قضاء الشهوة بطريق النكاح، ثم قال أبو مسلم : ومما يدل على صحة ما ذكرناه قوله ﷺ :" إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان " واحتجوا على إبطال كلام أبي مسلم بوجوه : الأول : أن هذا قول لم يقله أحد من المفسرين المتقدمين فكان باطلا، والثاني : أنه روي في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال :" قد جعل الله لهن سبيلا الثيب ترجم والبكر تجلد "
وهذا يدل على أن هذه الآية نازلة في حق الزناة.
الثالث : أن الصحابة اختلفوا في أحكام اللواط، ولم يتمسك أحد منهم بهذه الآية، فعدم تمسكهم بها مع شدة احتياجهم إلى نص يدل على هذا الحكم من أقوى الدلائل على أن هذه الآية ليست في اللواطة.