والوجه الثالث : أن يكون المراد منه أن يأتي الإنسان بالمعصية مع أنه لا يعلم كونه معصية لكن بشرط أن يكون متمكنا من العلم بكونه معصية، فإنه على هذا التقدير يستحق العقاب، ولهذا المعنى أجمعنا على أن اليهودي يستحق على يهوديته العقاب، وإن كان لا يعلم كون اليهودية معصية، إلا أنه لما كان متمكنا من تحصيل العلم بكون اليهودية ذنبا ومعصية، كفى ذلك في ثبوت استحقاق العقاب، ويخرج عما ذكرنا النائم والساهي، فإنه أتى بالقبيح ولكنه ما كان متمكنا من العلم بكونه قبيحا، وهذا القول راجح على غيره من حيث أن لفظ الجهالة في الوجهين الأولين محمول على المجاز، وفي هذا الوجه على الحقيقة، إلا أن على هذا الوجه لا يدخل تحت الآية إلا من عمل القبيح وهو لا يعلم قبحه، أما المتعمد فإنه لا يكون داخلا تحت الآية، وإنما يعرف حاله بطريق القياس وهو أنه لما كانت التوبة على هذا الجاهل واجبة، فلأن تكون واجبة على العامد كان ذلك أولى، فهذا هو الكلام في الشرط الأول من شرائط التوبة، وأما الشرط الثاني فهو قوله :﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ﴾ وقد أجمعوا على أن المراد من هذا القرب حضور زمان الموت ومعاينة أهواله، وإنما سمى تعالى هذه المدة قريبة لوجوه : أحدها : أن الأجل آت وكل ما هو آت قريب.
وثانيها : للتنبيه على أن مدة عمر الإنسان وإن طالت فهي قليلة قريبة فإنها محفوفة بطرفي الأزل والأبد، فإذا قسمت مدة عمرك إلى ما على طرفيها صار كالعدم.
وثالثها : أن الإنسان يتوقع في كل لحظة نزول الموت به، وما هذا حاله فإنه يوصف بالقرب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ٤ ـ ٥﴾
فائدة
قال السلمى :
قوله أيضًا :﴿إنَّما التَّوبَةُ على اللهِ للَّذِينَ يَعملُونَ السُّوءَ بجهالةٍ﴾ [الآية :].
قال : للذين يتقربون بالطاعات إلى من لا يتقرب إليه.
وقال محمد بن الفضل رحمه الله : ضمن الله عز وجل التوبة لمن يبدر منه الذنب من غير قصد، لا لمن يضمره ويتأسف على فوته، قال الله تعالى :﴿إنَّما التَّوبَةُ على اللهِ للَّذِينَ يَعملُونَ السُّوءَ بجهالةٍ﴾. أ هـ ﴿حقائق التفسير صـ ١٤٢﴾


الصفحة التالية
Icon