فائدة
قال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النسآء ﴾ يُقال : كان الناس يتزوّجون امرأة الأبِ برضاها بعد نزول قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النسآء كَرْهاً ﴾ حتى نزلت هذه الآية :﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ ﴾ فصار حراماً في الأحوال كلها ؛ لأن النكاح يقع على الجماع والتزوّج، فإن كان الأب تزوج امرأة أو وطئها بغير نكاح حرّمت على ابنه ؛ على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ١٠٣﴾.

فصل


قال الفخر :
قال أبو حنيفة رضي الله عنه : يحرم على الرجل أن يتزوج بمزنية أبيه، وقال الشافعي رحمة الله عليه : لا يحرم احتج أبو حنيفة بهذه الآية فقال : إنه تعالى نهى الرجل أن ينكح منكوحة أبيه، والنكاح عبارة عن الوطء فكان هذا نهيا عن نكاح موطوءة أبيه، إنما قلنا : إن النكاح عبارة عن الوطء لوجوه : الأول : قوله تعالى :﴿فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [ البقرة : ٢٣٠ ] أضاف هذا النكاح إلى الزوج، والنكاح المضاف إلى الزوج هو الوطء لا العقد، لأن الإنسان لا يمكنه أن يتزوج بزوجة نفسه لأن تحصيل الحاصل محال، ولأنه لو كان المراد بالنكاح في هذه الآية هوالعقد لوجب أن يحصل التحليل بمجرد العقد وحيث لم يحصل علمنا أن المراد من النكاح في هذه الآية ليس هو العقد، فتعين أن يكون هو الوطء لأنه لا قائل بالفرق، الثاني : قوله تعالى :﴿وابتلوا اليتامى حتى إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ﴾ [ النساء : ٦ ] والمراد من النكاح ههنا الوطء لا العقد، لأن أهلية العقد كانت حاصلة أبدا.
الثالث : قوله تعالى :﴿الزانى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً﴾ [ النور : ٣ ] فلو كان المراد ههنا العقد لزم الكذب.
الرابع : قوله عليه الصلاة والسلام :" ناكح اليد ملعون " ومعلوم أن المراد ليس هو العقد بل هو الوطء.


الصفحة التالية
Icon