فثبت بهذه الوجوه أن النكاح عبارة عن الوطء، فلزم أن يكون قوله تعالى :﴿وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ﴾ أي : ولا تنكحوا ما وطئهن آباؤكم، وهذا يدخل فيه المنكوحة والمزنية، لا يقال : كما أن لفظ النكاح ورد بمعنى الوطء فقد ورد أيضاً بمعنى العقد قال تعالى :﴿وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ﴾ [ النور : ٣٢ ] ﴿فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النساء﴾ [ النساء : ٣ ] ﴿إِذَا نَكَحْتُمُ المؤمنات﴾ [ الأحزاب : ٤٩ ] وقوله عليه الصلاة والسلام :" ولدت من نكاح ولم أولد من سفاح " فلم كان حمل اللفظ على الوطء أولى من حمله على العقد ؟
أجابوا عنه من ثلاثة أوجه :
الأول : ما ذهب إليه الكرخي وهو أن لفظ النكاح حقيقة في الوطء مجاز في العقد، بدليل أن لفظ النكاح في أصل اللغة عبارة عن الضم، ومعنى الضم حاصل في الوطء لا في العقد، فكان لفظ النكاح حقيقة في الوطء.
ثم إن العقد سمي بهذا الاسم لأن العقد لما كان سبباً له أطلق اسم المسبب على السبب، كما أن العقيقة اسم للشعر الذي يكون على رأس الصبي حال ما يولد، ثم تسمى الشاة التي تذبح عند حلق ذلك الشعر عقيقة فكذا ههنا.
واعلم أنه كان مذهب الكرخي أنه لا يجوز استعمال اللفظ الواحد بالاعتبار الواحد في حقيقته ومجازه معا، فلا جرم كان يقول : المستفاد من هذه الآية حكم الوطء، أما حكم العقد فإنه غير مستفاد من هذه الآية، بل من طريق آخر ودليل آخر.
الوجه الثاني : أن من الناس من ذهب إلى أن اللفظ المشترك يجوز استعماله في مفهوميه معا فهذا القائل قال : دلت الآيات المذكورة على أن لفظ النكاح حقيقة في الوطء وفي العقد معا، فكان قوله :﴿وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ﴾ نهيا عن الوطء وعن العقد معا، حملا للفظ على كلا مفهوميه.


الصفحة التالية
Icon