وعلى هذا التقدير ففي قوله :﴿إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أيمانكم﴾ وجهان : الأول : المراد منه إلا العدد الذي جعله الله ملكا لكم وهو الأربع، فصار التقدير : حرمت عليكم الحرائر إلا العدد الذي جعله الله ملكا لكم وهو الأربع، الثاني : الحرائر محرمات عليكم إلا ما أثبت الله لكم ملكا عليهن، وذلك عند حضور الولي والشهود وسائر الشرائط المعتبرة في الشريعة، فهذا الأول في تفسير قوله :﴿إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أيمانكم﴾ هو المختار، ويدل عليه قوله تعالى :﴿والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظون * إِلاَّ على أزواجهم أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم﴾ [ المعارج : ٢٩ ٣٠ ] جعل ملك اليمين عبارة عن ثبوت الملك فيها، فوجب أن يكون ههنا مفسرا بذلك، لأن تفسير كلام الله تعالى بكلام الله أقرب الطرق إلى الصدق والصواب، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ٣٤﴾
وقال القرطبى :
اختلف العلماء في تأويل هذه الآية ؛ فقال ابن عباس وأبو قلابة وابن زيد ومَكْحُولٌ والزُّهِريّ وأبو سعيدٍ الخُدْرِيّ : المراد بالمحصَنات هنا المسْبِيّات ذواتُ الأزواج خاصة، أي هنّ محرّمات إلاَّ ما ملكت اليَمين بالسبْي من أرض الحرب، فإن تلك حلال للَّذي تقع في سهمه وإن كان لها زوج.
وهو قول الشافعيّ في أن السِّباء يقطع العِصمة ؛ وقاله ابن وهب وابن عبد الحكم وروياه عن مالك، وقال به أَشهب.
يدلّ عليه ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيدٍ الخدري : أن رسول الله ﷺ يومَ حُنينٍ بعث جيشاً إلى أوْطاسٍ فلقوا العدوّ فقاتلوهم وظهروا عليهم وأصابوا لهم سَبَايَا ؛ فكان ناس من أصحاب النبيّ ﷺ تحرّجوا من غِشْيانهنّ من أجل أزواجهنّ من المشركين، فأنزل الله عزّ وجلّ ( في ذلك ) ﴿ والمحصنات مِنَ النسآء إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ ﴾.


الصفحة التالية
Icon