الثاني : أن نتمسك بالآية على سبيل المفهوم، وهو أن تخصيص الشيء بالذكر يدل على نفي الحكم عما عداه، والدليل عليه أن القائل إذا قال : الميت اليهودي لا يبصر شيئا، فإن كل أحد يضحك من هذا الكلام ويقول : إذا كان غير اليهودي أيضا لا يبصر فما فائدة التقييد بكونه يهوديا، فلما رأينا أن أهل العرف يستقبحون هذا الكلام ويعللون ذلك الاستقباح بهذه العلة، علمنا اتفاق أرباب اللسان على أن التقييد بالصفة يقتضي نفي الحكم في غير محل القيد.
قال أبو بكر الرازي : تخصيص هذه الحالة بذكر الإباحة فيها لا يدل على حظر ما عداه، كقوله تعالى :﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إملاق﴾ [ الإسراء : ٣١ ] ولا دلالة فيه على إباحة القتل عند زوال هذه الحالة، وقوله :﴿لاَ تَأْكُلُواْ الربا أضعافا مضاعفة﴾ [ آل عمران : ١٣٠ ] لا دلالة فيه على إباحة الأكل عند زوال هذه الحالة، وقوله :﴿لاَ تَأْكُلُواْ الربا أضعافا مضاعفة﴾ لا دلالة فيه على إباحة الأكل عند زوال هذه الحالة، فيقال له : ظاهر اللفظ يقتضي ذلك، إلا أنه ترك العمل به بدليل منفصل، كما أن عندك ظاهر الأمر للوجوب، وقد يترك العمل به في صور كثيرة لدليل منفصل، والسؤال الجيد على التمسك بالآية ما ذكرناه، حيث قلنا : لم لا يجوز أن يكون المراد من النكاح الوطء، والتقدير : ومن لم يستطع منكم وطء الحرة، وذلك عند من لا يكون تحته حرة، فإنه يجوز له نكاح الأمة، وعلى هذا التقدير تنقلب الآية حجة لأبي حنيفة.
وجوابه : أن أكثر المفسرين فسروا الطول بالغنى، وعدم الغنى تأثيره في عدم القدرة على العقد، لا في عدم القدرة على الوطء.


الصفحة التالية
Icon