وقال ابن عاشور :
كرّر قوله :﴿ والله يريد أن يتوب عليكم ﴾ ليرتّب عليه قوله : ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً فليس بتأكيد لفظي، وهذا كما يعاد اللفظ في الجزاء والصفة ونحوها، كقول الأحوص في الحماسة.
فَإذا تَزُول تَزُولُ عن متخمّط...
تُخشَى بَوَادِرُه على الأقْران
وقوله تعالى :﴿ ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا ﴾ [ القصص : ٦٣ ] والمقصد من التعرُّض لإرادة الذين يتّبعون الشهوات تنبيهُ المسلمين إلى دخائل أعدائهم، ليعلموا الفرق بين مراد الله من الخلق.
ومراد أعوان الشياطين، وهم الذين يتّبعون الشهوات.
ولذلك قُدّم المسند إليه على الخَبر الفِعْلي في قوله :﴿ والله يريد أن يتوب عليكم ﴾ ليدلّ على التخصيص الإضافي.
أي الله وحده هو الذي يريد أن يتوب عليكم، أي يحرّضكم على التوبة والإقلاع عن المعاصي، وأمّا الذين يتّبعون الشهوات فيريدون انصرافكم عن الحقّ، وميلكم عنه إلى المعاصي.
وإطلاقُ الإرادة على رغبة أصحاب الشهوات في ميْل المسلمين عن الحقّ لمشاكلة ﴿ يريد الله ليبين لكم ﴾ [ النساء : ٢٦ ].
والمقصود : ويحبّ الذين يتّبعون الشهوات أن تميلوا.
ولمّا كانت رغبتهم في ميل المسلمين عن الحقّ رغبة لا تخلو عن سعيهم لحصول ذلك، أشبهت رغبتُهم إرادة المريد للفعل، ونظيره قوله تعالى بعد هذه الآية ﴿ يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل ﴾ [ النساء : ٤٤ ].
وحذف متعلّق ﴿ تميلوا ﴾ لظهوره من قرينة المقام، وأراد بالذين يتّبعون الشهوات الذين تغلبهم شهواتهم على مخالفة ما شرعه الله لهم : من الذين لا دين لهم، وهم الذين لا ينظرون في عواقب الذنوب ومفاسدها وعقوبتها، ولكنّهم يرضون شَهَواتهم الداعية إليها.
وفي ذكر هذه الصلة هنا تشنيع لحالهم، ففي الموصول إيماء إلى تعليل الخبر.


الصفحة التالية
Icon