وقال أبو السعود :
قولُه تعالى :﴿ بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ ﴾ إن أريد به الاتصالُ من حيث الدينُ فهو بيانٌ لتناسبهم من تلك الحيثيةِ إثرَ بيانِ تفاوتِهم في ذلك، وإن أريد به الاتصالُ من حيث النسبُ فهو اعتراضٌ آخرُ مؤكدٌ للتأنيس من جهة أخرى، والخطابُ في الموضعين إما لمن كما في الخطاب الذي يعقُبه قد روعيَ فيما سبق جانبُ اللفظِ وهاهنا جانبُ المعنى، والالتفاتُ للاهتمام بالترغيب والتأنيس وإما لغيرهم من المسلمين كالخِطابات السابقةِ لحصول الترغيبِ بخطابهم أيضاً، وأياً ما كان فإعادةُ الأمرِ بالنكاح على وجه الخطابِ في قوله تعالى :﴿ فانكحوهن ﴾ مع انفهامه من قوله تعالى :﴿ وَمَا مَلَكَتْ أيمانكم ﴾ حسبما ذُكر لزيادة الترغيبِ في نكاحهن، وتقييدُه بقوله تعالى :﴿ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ﴾ وتصديرُه بالفاء للإيذان بترتبه على ما قبله أي وإذْ قد وقفتم على جلية الأمرِ فانكِحوهن بإذن مواليهن ولا تترفعوا عنهن، وفي اشتراط إذنِ الموالي دون مباشرتِهم للعقد إشعارٌ بجواز مباشرتِهن له. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٢ صـ ١٦٧﴾
فصل
قال الفخر :
اتفقوا على أن نكاح الأمة بدون إذن سيدها باطل، ويدل عليه القرآن والقياس.
أما القرآن فهو هذه الآية فإن قوله تعالى :﴿فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ﴾ يقتضي كون الإذن شرطا في جواز النكاح، وإن لم يكن النكاح واجبا.
وهو كقوله عليه الصلاة والسلام :" من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " فالسلم ليس بواجب، ولكنه إذا اختار أن يسلم فعليه استيفاء هذه الشرائط، كذلك النكاح وان لم يكن واجبا، لكنه إذا أراد أن يتزوج أمة، وجب أن لا يتزوجها إلا بإذن سيدها.
وأما القياس : فهو أن الأمة ملك للسيد، وبعد التزوج يبطل عليه أكثر منافعها، فوجب أن لا يجوز ذلك إلا بإذنه.