والثاني : قال القاضي : لما ذكر ابتغاء النكاح بالأموال وأمر بإيفاء المهور والنفقات، بين من بعد كيف التصرف في الأموال فقال :﴿يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أموالكم بَيْنَكُمْ بالباطل﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ٥٦﴾

فصل


قال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ بالباطل ﴾ أي بغير حق.
ووجوه ذلك تكثر على ما بيناه ؛ وقد قدّمنا معناه في البقرة.
ومِن أكل المال بالباطل بَيْعُ العُربَان ؛ وهو أن يأخذ منك السلعة أو يكتَري منك الدابة ويعطيك درهماً فما فوقه، على أنه إن اشتراها أو ركب الدابة فهو من ثمن السلعة أو كِراء الدابة ؛ وإن ترك ابتياع السلعة أو كِراء الدابة فما أعطاك فهو لك.
فهذا لا يصلح ولا يجوز عند جماعة فقهاء الأمصار من الحجازيين والعراقيين، لأنه من باب بيع القِمار والغَرَر والمخاطرة، وأكلِ المال بالباطل بغير عِوض ولا هبة، وذلك باطل بإجماع.
وبيع العُرْبان مفسوخ إذا وقع على هذا الوجه قبل القبض وبعده، وتردّ السلعة إن كانت قائمة، فإن فاتت ردّ قيمتها يوم قبضها.
وقد رُوي عن قوم منهم ابن سِيرين ومجاهد ونافع بن عبد الحارث وزيد بن أسلم أنهم أجازوا بيع العربان على ما وصفنا.
وكان زيد بن أسلم يقول : أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو عمر : هذا لا يُعرف عن النبيّ ﷺ من وجه يصحّ، وإنما ذكره عبد الرزاق عن الأسلمي عن زيد بن أسلم مُرْسَلاً ؛ وهذا ومثله ليس حجة.
ويحتمل أن يكون بيع العربان الجائز على ما تأوّله مالك والفقهاء معه ؛ وذلك أن يُعَرْبِنه ثم يحسب عُرْبانه من الثمن إذا اختار تمام البيع.


الصفحة التالية
Icon