فصل
قال القرطبى :
إذا زنت الأَمة المسلمة جُلدت نصف جلد الحرة ؛ وإسلامها هو إحصانها في قول الجمهور : ابنِ مسعود والشعبيّ والزُّهْرِيّ وغيرهم.
وعليه فلا تُحدّ كافرة إذا زنت، وهو قول الشافعيّ فيما ذكر ابن المُنْذِر.
وقال آخرون : إحصانها التزوّج بحرّ.
فإذا زنت الأَمَة المسلمة التي لم تتزوّج فلا حدّ عليها، قاله سعيد بن جُبير والحسن وقتادة، وروي عن ابن عباس وأبي الدَّرْدَاء، وبه قال أبو عبيد.
قال : وفي حديث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه سئل عن حَدّ الأَمة فقال : إنّ الأَمَة ألقت فَرْوَة رأسها من وراء الدار.
قال الأصمعيّ : الفروة جلدة الرأس قال أبو عبيد : وهو لم يرد الفروة بعينها، فكيف تلقى جلدة رأسها من وراء الدار، ولكن هذا مثل! إنما أراد بالفَرْوة القِناع، يقول ليس عليها قناع ولا حجاب، وأنها تخرج إلى كل موضع يرسلها أهلها إليه، لا تقدر على الامتناع من ذلك ؛ فتصير حيث لا تقدر على الامتناع من الفجور، مثل رعاية الغنم وأداء الضريبة ونحو ذلك ؛ فكأنه رأى أن لا حدّ عليها إذا فجرت ؛ لهذا المعنى.
وقالت فرقة : إحصانها التزوّج، إلا أن الحدّ واجب على الأَمَة المسلمة غير المتزوّجة بالسنّة ؛ كما في صحيح البُخارِيّ ومُسْلم أنه قيل : يا رسول الله، الأَمَة إذا زنت ولم تُحصن ؟ فأوجب عليها الحدّ.
قال الزُّهْرِيّ : فالمتزوّجة محدودةٌ بالقرآن، والمسلمة غير المتزوّجة محدودة بالحديث.
قال القاضي إسماعيل في قول من قال ﴿ إِذَآأُحْصِنَّ ﴾ أسْلَمْن : بُعْدٌ ؛ لأن ذكر الإيمان قد تقدّم لهن في قوله تعالى :﴿ مِّن فَتَيَاتِكُمُ المؤمنات ﴾.
وأما من قال :﴿ إِذَآأُحْصِنَّ ﴾ تزوّجن، وأنه لا حدّ على الأَمة حتى تتزوّج ؛ فإنهم ذهبوا إلى ظاهر القرآن وأحسِبَهم لم يعلموا هذا الحديث.