وهو قول أبي حنيفة، ونصّ مذهب مالك أيضاً، حكاه ابن خُوَيْزِ مَنْدَاد.
وقيل : ليس له أن يرجع.
وقد مضى في "البقرة".
واحتج الأوّلون بما ثبت من حديث سَمُرة بن جُنْدب وأبي بَرْزَة وابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وحَكيم بن حِزام وغيرهم عن النبيّ ﷺ :" البَيِّعان بالخيار مالم يتفرّقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر " رواه أيوب عن نافع عن ابن عمر ؛ فقوله عليه السلام في هذه الرواية :" أو يقول أحدهما لصاحبه اختر " هو معنى الرواية الأُخرى " إلا بيع الخيار " وقوله :" إلا أن يكون بيعهما عن خيار " ونحوه.
أي يقول أحدهما بعد تمام البيع لصاحبه : اختر إنفاذ البيع أو فسخه ؛ فإن اختار إمضاء البيع تمّ البيع بينهما وإن لم يتفرّقا.
وكان ابن عمر وهو راوي الحديث إذا بايع أحداً وأحبّ أن يُنفذ البيع مشى قليلاً ثم رجع.
وفي الأُصول : إن من روى حديثاً فهو أعلم بتأويله، لا سيما الصحابة إذْ هم أعلم بالمقال وأقعد بالحال.
وروى أبو داود والدّارَقُطْنِي عن أبي الوَضِيء قال : كنا في سفر في عسكر فأتى رجل معه فرس فقال له رجل منا : أتبيع هذا الفرس بهذا الغلام ؟ قال نعم ؛ فباعه ثم بات معنا، فلما أصبح قام إلى فرسه، فقال له صاحبنا : ما لكَ والفرس ا أليس قد بِعتنيها ؟ فقال : ما لي في هذا البيع من حاجة.
فقال : ما لَك ذلك، لقد بعتني.
فقال لهما القوم : هذا أبو برزة صاحبُ رسول الله ﷺ فأتياه ؛ فقال لهما : أترضيان بقضاء رسول الله ﷺ ؟ فقالا : نعم.
فقال قال رسول الله ﷺ :" البيِّعان بالخيار ما لم يتفرّقا " وإني لا أراكما افترقتما.
فهذان صحابيان قد علما مخرج الحديث وعملا بمقتضاه، بل هذا كان عمل الصحابة.


الصفحة التالية
Icon