والجواب أمّا ما اعتلوا به من الافتراق بالكلام فإنما المراد بذلك الأديان كما بيناه في "آل عمران"، وإن كان صحيحاً في بعض المواضع فهو في هذا الموضع غير صحيح.
وبيانه أن يقال : خبِّرونا عن الكلام الذي وقع به الإجتماع وتمّ به البيع، أهو الكلام الذي أُريد به الإفتراق أم غيره ؟ فإن قالوا : هو غيره فقد أحالوا وجاءوا بما لا يعقل ؛ لأنه ليس ثَمّ كلام غير ذلك، وإن قالوا : هو ذلك الكلام بعينه قيل لهم : كيف يجوز أن يكون الكلام الذي به اجتمعا وتمّ به بيعهما، به افترقا، هذا عين المحال والفاسد من القول.
وأما قوله :" ولا يحل له أن يفارق صاحبه مخافة أن يُقيله " فمعناه إن صح على النّدب ؛ بدليل قوله عليه السلام :" من أقال مسلماً أقاله الله عَثْرته " وبإجماع المسلمين على أن ذلك يحل لفاعله على خلاف ظاهر الحديث، ولإجماعهم أنه جائز له أن يفارقه لينفذ بيعه ولا يقيله إلا أن يشاء.
وفيما أجمعوا عليه من ذلك رَدٌّ لرواية من روى "لا يحل" فإن لم يكن وجه هذا الخبر الندب، وإلا فهو باطل بالإجماع.
وأما تأويل "المتبايعان" بالمتساومين فعدول عن ظاهر اللفظ، وإنما معناه المتبايعان بعد عقدهما مخيّران ما داما في مجلسهما، إلا بيعا يقول أحدهما لصاحبه فيه : اخْتَر فيختار ؛ فإن الخيار ينقطع بينهما وإن لم يتفرقا ؛ فإن فُرِض خيارٌ فالمعنى : إلا بيع الخيارِ فإنه يبقى الخيار بعد التفرق بالأبدان.
وتتميم هذا الباب في كتب الخلاف.
وفي قول عمرو بن شعيب "سمعت أبي يقول" دليل على صحة حديثه ؛ فإن الدّارَقُطْنِيّ قال حدّثنا أبو بكر النيسابُوريّ حدّثنا محمد بن عليّ الورّاق قال قلت لأحمد بن حنبل : شعيبٌ سمع من أبيه شيئاً ؟ قال : يقول حدّثني أبي.
قال فقلت : فأبوه سمع من عبد الله بن عمرو ؟ قال : نعم، أراه قد سمع منه.