قال الشافعي رحمة الله عليه : النهي في المعاملات يدل على البطلان، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : لا يدل عليه، واحتج الشافعي على صحة قوله بوجوه : الأول : أن جميع الأموال مملوكة لله تعالى، فإذا أذن لبعض عبيده في بعض التصرفات كان ذلك جاريا مجرى ما إذا وكل الإنسان وكيلا في بعض التصرفات، ثم إن الوكيل إذا تصرف على خلاف قول الموكل فذاك غير منعقد بالإجماع، فإذا كان التصرف الواقع على خلاف قول المالك المجازي لا ينعقد فبأن يكون التصرف الواقع على خلاف قول المالك الحقيقي غير منعقد كان أولى.
وثانيها : أن هذه التصرفات الفاسدة إما أن تكون مستلزمة لدخول المحرم المنهي عنه في الوجود، وإما أن لا تكون فإن كان الأول وجب القول ببطلانها قياسا على التصرفات الفاسدة.
والجامع السعي في أن لا يدخل منشأ النهي في الوجود، وإن كان الثاني وجب القول بصحتها، قياسا على التصرفات الصحيحة، والجامع كونها تصرفات خالية عن المفسد، فثبت أنه لا بد من وقوع التصرف على هذين الوجهين.
فأما القول بتصرف لا يكون صحيحا ولا باطلا فهو محال، وثالثها : أن قوله : لا تبيعوا الدرهم بدرهمين، كقوله : لا تبيعوا الحر بالعبد، فكما أن هذا النهي باللفظ لكنه نسخ للشريعة فكذا الأول، وإذا كان ذلك نسخا للشريعة بطل كونه مفيداً للحكم، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ٥٨﴾
قوله تعالى ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾
قال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ ولا تقتلوا أنفسكم ﴾ فيه خمسة أقوال.
أحدها : أنه على ظاهره، وأن الله حرم على العبد قتل نفسه، وهذا الظاهر.
والثاني : أن معناه : لا يقتل بعضكم بعضاً، وهذا قول ابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وقتادة، والسدي، ومقاتل، وابن قتيبة.


الصفحة التالية
Icon