وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ بِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ إيجَابَ التَّمْلِيكِ وَإِيقَاعَ الْعَقْدِ إنَّهُ يَقَعُ بِهِ الْعَقْدُ، وَهُوَ أَنْ يُسَاوِمَهُ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ يَزِنَ لَهُ الدَّرَاهِمَ وَيَأْخُذَ الْمَبِيعَ، فَجَعَلُوا ذَلِكَ عَقْدًا لِوُقُوعِ تَرَاضِيهِمَا بِهِ وَتَسْلِيمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ مَا طَلَبَهُ مِنْهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ جَرَيَانَ الْعَادَةِ بِالشَّيْءِ كَالنُّطْقِ بِهِ ؛ إذْ كَانَ الْمَقْصِدُ مِنْ الْقَوْلِ الْإِخْبَارَ عَنْ الضَّمِيرِ وَالِاعْتِقَادَ فَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ بِالْعَادَةِ مَعَ التَّسْلِيمِ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَجْرَوْا ذَلِكَ مَجْرَى الْعَقْدِ، وَكَمَا يُهْدِي الْإِنْسَانُ لَغَيْرِهِ فَيَقْبِضَهُ فَيَكُونَ قَبُولًا لِلْهِبَةِ ؛ ﴿ وَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَنَاتٍ ثُمَّ قَالَ : مَنْ شَاءَ فَلِيَقْتَطِعْ ﴾ فَقَامَ الِاقْتِطَاعُ فِي ذَلِكَ مَقَامَ الْقَبُولِ لِلْهِبَةِ فِي إيجَابِ التَّمْلِيكِ.
فَهَذِهِ الْوُجُوهُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا هِيَ طُرُقُ التَّرَاضِي الْمَشْرُوطِ فِي قَوْلِهِ :﴿ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾.
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ : إذَا قَالَ :" بِعْنِي هَذَا بِكَذَا " فَقَالَ :" قَدْ بِعْتُك " فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ حَتَّى يَقُولَ :" قَدْ زَوَّجْتُكهَا " وَيَقُولَ الْآخَرُ :" قَدْ قَبِلْت تَزْوِيجَهَا " أَوْ يَقُولَ الْخَاطِبُ :" زَوِّجْنِيهَا " وَيَقُولَ الْوَلِيُّ :" قَدْ زَوَّجْتُكهَا " فَلَا يَحْتَاجُ فِي هَذَا إلَى قَوْلِ الزَّوْجِ قَدْ قَبِلْت.