وفي " الروضة الندية " : حقيقة التراضي لا يعلمها إلا الله تعالى : والمراد ها هنا أمارته، كالإيجاب والقبول، وكالتعاطي عند القائل به، وعلى هذا أهل العلم، لكونه لم يرد ما يدل على ما اعتبره بعضهم من ألفاظ مخصوصة، وأنه لا يجوز البيع بغيرها، ولا يفيدهم ما ورد في الروايات من نحو :( بعت منك وبعتك ) فإنا لا ننكر أن البيع يصح بذلك، وإنما النزاع في كونه لا يصح إلا بها، ولم يرد في ذلك شيء، وقد قال الله تعالى :﴿ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ ﴾ فدل ذلك على أن مجرد التراضي هو المناط، ولا بد من الدلالة عليه بلفظ أو إشارة أو كتابة، بأي لفظ وقع، وعلى أي : صفة كان وبأي إشارة مفيدة، حصل. انتهى.
وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ﴾ فيه وجهان :
الأول : أن المعنى لا تقتلوا من كان من جنسكم من المؤمنين، فإن كلهم كنفس واحدة، والتعبير عنهم بالأنفس للمبالغة في الزجر عن قتلهم، بتصويره بصورة ما لا يكاد يفعله عاقل.
والثاني : النهي عن قتل الإِنسَاْن نفسه، وقد احتج بهذه الآية عَمْرو بن العاص على مسألة التيمم للبرد، وأقره النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم على احتجاجه، كما رواه الإمام أحمد وأبو داود، ولفظ أحمد عن
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنّهُ قَالَ : لَمّا بَعَثَه رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عليّه وسلّم عَامَ ذَاتِ السّلاَسِلِ - قَالَ - احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلَكَ، فَتَيَمّمْتُ ثُمّ صَلّيْتُ بِأَصْحَابِي صَلاَةَ الصّبْحِ - قَالَ - فَلَمّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللهُ عليّه وسلّم ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ :< يَا عَمْرُو صَلّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ >.


الصفحة التالية
Icon