وقد اختلف الناس في تَعدادها وحصرها لاختلاف الآثار فيها، والذي أقول : إنه قد جاءت فيها أحاديث كثيرة صِحاح وحِسان لم يُقصد بها الحصر، ولكن بعضها أكبر من بعض بالنسبة إلى ما يكثر ضرره، فالشرك أكبر ذلك كله، وهو الذي لا يُغفر لنصّ الله تعالى على ذلك، وبعده اليأس من رحمة الله ؛ لأن فيه تكذيب القرآن ؛ إذ يقول وقوله الحق :﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [ الأعراف : ١٥٦ ] وهو يقول : لا يغفر له ؛ فقد حَجَر واسعاً.
هذا إذا كان معتقداً لذلك ؛ ولذلك قال الله تعالى :﴿ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ القوم الكافرون ﴾ [ يوسف : ٨٧ ].
وبعده القنوط ؛ قال الله تعالى :﴿ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضآلون ﴾ [ الحجر : ٥٦ ].
وبعده الأمن من مكر الله فيسترسل في المعاصي ويتّكل على رحمة الله من غير عمل ؛ قال الله تعالى :﴿ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ القوم الخاسرون ﴾ [ الأعراف : ٩٩ ].
وقال تعالى :﴿ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الذي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ الخاسرين ﴾ [ فصلت : ٢٣ ] وبعده القتل ؛ لأن فيه إذهاب النفوس وإعدامَ الوجود، واللِّواطُ فيه قطع النَّسل، والزنى فيه اختلاط الأنساب بالمياه، والخَمرُ فيه ذهاب العقل الذي هو مناط التكليف، وترك الصلاة والأذان فيه تركُ إظهار شعائر الإسلام، وشهادةُ الزور فيها استباحة الدماء والفروج والأموال، إلى غير ذلك مما هو بيّن الضرر ؛ فكلّ ذنب عظّم الشرْع التوعُّدَ عليه بالعقاب وشدّده، أو عظّم ضرره في الوجود كما ذكرنا فهو كبيرة وما عداه صغيرة.
فهذا يربط لك هذا الباب ويضبطه، والله أعلم. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ١٥٨ ـ ١٦١﴾.