فصل
قال الفخر :
من الناس من قال : جميع الذنوب والمعاصي كبائر.
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : كل شيء عصى الله فيه فهو كبيرة، فمن عمل شيئا منها فليستغفر الله، فإن الله تعالى لا يخلد في النار من هذه الأمة إلا راجعا عن الإسلام، أو جاحدا فريضة، أو مكذبا بقدر.
واعلم أن هذا القول ضعيف لوجوه :
الحجة الأولى : هذه الآية، فإن الذنوب لو كانت بأسرها كبائر لم يصح الفصل بين ما يكفر باجتناب الكبائر وبين الكبائر.
الحجة الثانية : قوله تعالى :﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ﴾ [ القمر : ٥٣ ] وقوله :﴿لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا﴾ [ الكهف : ٤٩ ].
الحجة الثالثة : ان الرسول عليه الصلاة والسلام نص على ذنوب بأعيانها أنها كبائر، كقوله :" الكبائر : الإشراك بالله واليمين الغموس وعقوق الوالدين وقتل النفس " وذلك يدل على أن منها ما ليس من الكبائر.
الحجة الرابعة : قوله تعالى :﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر والفسوق والعصيان﴾ [ الحجرات : ٧ ] وهذا صريح في أن المنهيات أقسام ثلاثة : أولها : الكفر، وثانيها : الفسوق.
وثالثها : العصيان، فلا بد من فرق بين الفسوق وبين العصيان ليصح العطف، وما ذاك إلا لما ذكرنا من الفرق بين الصغائر وبين الكبائر، فالكبائر هي الفسوق، والصغائر هي العصيان.
واحتج ابن عباس بوجهين : أحدهما : كثرة نعم من عصى.
والثاني : إجلال من عصى، فإن اعتبرنا الأول فنعم الله غير متناهية، كما قال :﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا﴾ [ النحل : ١٨ ] وان اعتبرنا الثاني فهو أجل الموجودات وأعظمها، وعلى التقديرين وجب أن يكون عصيانه في غاية الكبر، فثبت أن كل ذنب فهو كبيرة.