وقالت المعتزلة : النهي عن قول القائل : ليته وجد كذا، أو ليته لم يوجد كذا، وهذا بعيد لأن مجرد اللفظ إذا لم يكن له معنى لا يكون تمنيا، بل لا بد وأن يبحث عن معنى هذا اللفظ، ولا معنى له إلا ما ذكرناه من إرادة ما يعلم أو يظن أنه لا يكون. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ٦٥﴾
فصل
قال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ ﴾ التّمني نوع من الإرادة يتعلق بالمستقبل، كالتلهُّف نوع منها يتعلق بالماضي ؛ فنهى الله سبحانه المؤمنين عن التّمني ؛ لأن فيه تعلق البال ونسيان الأجل.
وقد اختلف العلماء هل يدخل في هذا النهي الغِبطَةُ، وهي أن يتمنى الرجل أن يكون له حال صاحبه وإن لم يتمنّ زوال حاله.
والجمهور على إجازة ذلك : مالك وغيره وهي المراد عند بعضهم في قوله عليه السلام :" لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار " فمعنى قوله ؛ "لا حسد" أي لا غِبطة أعظم وأفضل من الغِبطة في هذين الأمرين.
وقد نبّه البخاري على هذا المعنى حيث بوَّب على هذا الحديث ( باب الاغتباط في العلم والحكمة ) قال المهلب : بيّن الله تعالى في هذه الآية ما لا يجوز تمنيّه، وذلك ما كان من عرض الدنيا وأشباهها.
قال ابن عطية : وأما التمنّي في الأعمال الصالحة فذلك هو الحسن، وأما إذا تمنّى المرء على الله من غير أن يقرن أُمنيته بشيء مما قدّمنا ذكره فذلك جائز ؛ وذلك موجود في حديث النبي ﷺ في قوله :" وَدِدت أن أَحْيَا ثم أُقتل ".
قلت : هذا الحديث هو الذي صدّر به البخاري كتاب التمني في صحيحه، وهو يدل على تمني الخير وأفعال البر والرغبة فيها، وفيه فضل الشهادة على سائر أعمال البر ؛ لأنه عليه السلام تمناها دون غيرها.