وذلك لرفيع منزلتها وكرامة أهلها، فرزقه الله إياها ؛ لقوله :" ما زالت أُكْلَة خَيْبَرَ تُعادُّني الآن أَوان قطعتْ أَبْهَرِي " وفي الصحيح :" إن الشهيد يقال له تمنّ فيقول أتمنى أن أرجع إلى الدنيا حتى أقتلَ في سبيلك مرة أخرى "
وكان رسول الله ﷺ يتمنى إيمان أبي طالب وإيمان أبي لهب وصناديد قريش مع علمه بأنه لا يكون ؛ وكان يقول :" واشوقاه إلى إخواني الذين يجيئون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني " وهذا كله يدل على أن التمني لا ينهى عنه إذا لم يكن داعيه إلى الحسد والتباغض، والتمني المنهى عنه في الآية من هذا القبيل ؛ فيدخل فيه أن يتمنى الرجل حال الآخر من دين أو دنيا على أن يذهب ما عند الآخر..
وسواء تمنيّت مع ذلك أن يعود إليك أو لا.
وهذا هو الحسد بعينه، وهو الذي ذمّه الله تعالى بقوله :﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ الناس على مَآ آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ ﴾ [ النساء : ٥٤ ] ويدخل فيه أيضاً خطبة الرجل على خِطبة أخيه وبيعه على بيعه ؛ لأنّه داعية الحسد والمَقْت.
وقد كره بعض العلماء الغبطة وأنها داخلة في النهي، والصحيح جوازها على ما بينّا، وبالله توفيقنا.
وقال الضحاك : لا يحل لأحد أن يتمنى مال أحد، ألم تسمع الذين قالوا :﴿ ياليت لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ ﴾ [ القصص : ٧٩ ] إلى أن قال :﴿ وَأَصْبَحَ الذين تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بالأمس ﴾ [ القصص : ٨٢ ] حين خُسِف به وبداره وبأمواله ﴿ لولا أَن مَّنَّ الله عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ﴾ [ القصص : ٨٢ ] وقال الكلبي : لا يتمنَّ الرجل مال أخيه ولا امرأته ولا خادمَه ولا دابته ؛ ولكن ليقل ؛ اللهم ارزقني مثله.
وهو كذلك في التوراة، وكذلك قوله في القرآن ﴿ واسألوا الله مِن فَضْلِهِ ﴾.


الصفحة التالية