قوله تعالى ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (٢٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان هذا السياق محركاً للنفس إلى معرفة جوابهم عنه، أورده على تقدير سؤال من كأنه قال : إن هذا لترغيب مشوق وترهيب مقلق، فما قالوا في جوابه؟ فقال :﴿قالوا﴾ معرضين عن ذلك كله بهمم سافلة وأحوال نازلة، مخاطبين له باسمه جفاء وجلافة وقلة أدب ﴿يا موسى﴾ وأكدوا قولهم تأكيد من هو محيط العلم، فقالوا مخاطبين بجرأة وقلة حياء لأعلم أهل زمانه :﴿إن فيها﴾ أي دون غيرها ﴿قوماً جبارين﴾ أي عتاة قاهرين لغيرهم مكرهين له على ما يريدون ﴿وإنا لن ندخلها﴾ خوفاً منهم ﴿حتى يخرجوا منها﴾ ثم صرحوا بالإتيان بالجملة الاسمية المؤكدة بتهالكهم على الدخول وأنه لا مانع لهم إلا الجبن فقالوا :﴿فإن يخرجوا منها﴾ أي بأي وجه كان، وعبروا بأداة الشك مع إعلام الله لهم بإهلاكهم على أيديهم جلافة منهم وعراقة طبع في التكذيب ﴿فإنا داخلون﴾ فكأنه قيل : إن هذه لسقطة ما مثلها، فما اتفق لهم بعدها؟ فقيل :﴿قال رجلان﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٤٢٥ ـ ٤٢٦﴾
فصل
قال الفخر :
ثم أخبر الله تعالى عنهم أنهم ﴿قَالُواْ يا موسى إن فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ﴾
وفي تفسير الجبارين وجهان :
الأول : الجبار فعال من جبره على الأمر بمعنى أجبره عليه، وهو العاتي الذي يجبر الناس على ما يريد، وهذا هو اختيار الفرّاء والزجاج.
قال الفرّاء : لم أسمع فعالاً من أفعل إلا في حرفين وهما : جبار من أجبر، ودراك من أدرك، والثاني : أنه مأخوذ من قولهم نخلة جبارة إذا كانت طويلة مرتفعة لا تصل الأيدي إليها، ويقال : رجل جبار إذا كان طويلاً عظيماً قوياً، تشبيهاً بالجبار من النخل والقوم كانوا في غاية القوة وعظم الأجسام بحيث كانت أيدي قوم موسى ما كانت تصل إليهم، فسموهم جبارين لهذا المعنى.