قوله تعالى ﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (٧٠) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (٧١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
فعلم كل من رأى ذلك حقيته وبطلان ما فعل السحرة، فبادر السحرة منهم إلى الخضوع لأمر الله ساجدين مبادرة من كأنه ألقاه ملق على وجهه، ولذلك قال تعالى بعد أن ذكر مكرهم واجتهادهم في معارضة موسى عليه الصلاة والسلام وحذف ذكر الإلقاء وما سببه من التلقف لأن مقصود السورة القدرة على تليين القلوب القاسية :﴿فألقي السحرة﴾ أي فألقاهم ما رأوا من أمر الله بغاية السرعة وبأيسر أمر ﴿سجداً﴾ على وجوههم ؛ قال الأصبهاني : سبحان الله! ما أعظم شأنهم! ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة الشكر والسجود، فما أعظم الفرق بين الإلقاءين.
فكأن قائلاً قال : هذا فعلهم فما قالوا؟ فقيل :﴿قالوا آمنا﴾ أي صدقنا.
ولما كان سياق هذه السورة مقتضياً لتقديم هارون عليه السلام قال :﴿برب هارون وموسى﴾ بشارة للنبي ـ ﷺ ـ بأنه سبحانه لا يشقيه بهذا القرآن بل يهدي الناس به ويذلهم له، فيجعل العرب على شماختها أذل شيء لوزرائه وأنصاره وخلفائه وإن كانوا أضعف الناس، وقبائلهم أقل القبائل، مع ما في ذلك من الدليل على صدق إيمانهم وخلوص ادعائهم بتقديم الوزير المترجم ترقياً في درج المعرفة ممن أوصل ذلك إليهم إلى من أمره بذلك ثم إلى من أرسله شكراً للمنعمين بالتدريج