قوله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (١٥٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما بين سبحانه وتعالى ما أعد لهم بيّن ما أعد لأضدادهم من أهل طاعته بقوله :﴿والذين ءامنوا بالله﴾ أي الذي له الكمال والجمال ﴿ورسله﴾ ولما جمعوهم في الإيمان ضد ما فعل أهل الكفران، صرح بما أفهمه فقال :﴿ولم يفرقوا﴾ أي في اعتقادهم ﴿بين أحد منهم﴾ أي لم يجعلوا أحداً منهم على صفة الفرقة البليغة من صاحبه بأن كفروا ببعض وآمنوا ببعض - كما فعل الأشقياء، والتفرقة تقتضي شيئين فصاعداً، و" أحد " عام في الواحد المذكر والمؤنث وتثنيتهما وجمعهما، فلذلك صح التعبير به بمعنى : بين اثنين أو جماعة، وكأنه اختير للمبالغة بأن لو أن الواحد يمكن فيه التفرقة فكان الإيمان بالبعض دون البعض كفراً ﴿أولئك﴾ أي العالو الرتبة في رتب السعادة.
ولما كان المراد تأكيد وعدهم، وكان المشاهد فيه غالباً التأخر قال :﴿سوف نؤتيهم﴾ أي بما لنا من العظمة بوعد لا خلف فيه وإن تأخر، فالمراد تحقيقه، لا تحقيق تأخره، ولكنه أتى بالأداة التي هي أكثر حروفاً وأشد تنفيساً، لأن هذا السياق لأهل الإيمان المجرد، الشامل لمن لم يكن له عمل، ولذا أضاف الأجور إليهم، وختم بالمغفرة لئلا يحصل لهم بأس وإن طال المدى ﴿أجورهم﴾ أي كاملة بحسب نياتهم وأعمالهم.
ولما كان الإنسان محل النقصان قال :﴿وكان الله﴾ أي الذي لا يبلغ الواصفون كنه ما له من صفات الكمال ﴿غفوراً﴾ لما يريد من الزلات ﴿رحيماً﴾ أي بمن يريد إسعادة بالجنات. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٤٤﴾
فائدة
قال الفخر :
إنما قال :﴿وَلَمْ يُفَرّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ﴾ مع أن التفريق يقتضي شيئين فصاعداً إلاّ أن أحداً لفظ يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، ويدل عليه وجهان : الأول : صحة الاستثناء.
والثاني : قوله تعالى :﴿لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النساء﴾ [ الأحزاب : ٣٢ ].
إذا عرفت هذا فتقدير الآية : ولم يفرقوا بين اثنين منهم أو بين جماعة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٧٥﴾
قال الآلوسى :
﴿ والذين ءامَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ ﴾ بأن يؤمنوا ببعض ويكفروا بآخرين كما فعل الكفرة، ودخول بين على ﴿ أَحَدٌ ﴾ قد مرّ الكلام فيه.
والموصول مبتدأ خبره جملة قوله :﴿ أولئك ﴾ أي المنعوتون بهذه النعوت الجليلة ﴿ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ ﴾ أي الله تعالى ﴿ أُجُورَهُمْ ﴾ الموعودة لهم، فالإضافة للعهد.